يسترجع الكاتب والمحامي الفلسطيني كامل أبو صقر سيرة قرى الغور والشفا المطل عليه في الضفة الغربية لنهر الأردن، خلال الشهور القليلة التي سبقت النكسة في عام 1967، من خلال تتبع سيرة عائلة أبو نسر، مستلهمًا أحداث الرواية من خلال شهادات ممن عاشوا النكسه أطفالًا، مستعيدًا الغور وقرى شفاه على ضفتي الشريعه “نهر الاردن” إلى الحضور والحياة من جديد.
وجاء الكتاب الصادر عن “الآن ناشرون وموزعون” في الأردن في 567 صفحة من القطع المتوسط، وهو يشكل مدونة ضخمة لأحداث تلك الشهور، وانعكاساتها على سكان الغور، بما فيها من تفاصيل دقيقة لمشاعر الناس، وبيان لما كان يتوقعونه أو يتبادلونه بينهم من أحاديث خلال تلك الفترة، موظفًا أسلوب الاستعادة للماضي” فلاش باك”، ليتمكن من تغطية المساحة الزمنية الممتدة للأحداث من العهد العثماني مرورا بنضال الشعب الفلسطيني ضد الإنجليز ،وبأحداث مرت على الوطن العربي وصولاحتى النكسة.
ويصدر الكتاب بالتزامن مع الذكرى الخامسة والخمسين للنكسة، وفيه وصف دقيق للملامح الجغرافية للمكان، وسرد لأسماء القرى والسهول والعقبات وعيون الماء والجبال والأودية، وذكرٌ لطبيعة المنتجات الزراعية، وطريقة استغلال الأراضي وتربية الثروة الحيوانية، ما يجعله مرجعًا مهمًّا للراغبين في الاطلاع على هذا النوع من المعلومات.
ويقدم أبو صقر التفاصيل جميعها، بلغة مبسطة، تحمل سيرة طفل يشبُّ وسط أجواء الغور وناسه، فيشكل امتدادا للأجيال التي سبقته، مع وقوفه شاهدا على النكسة وأهوالها.
وأهدى الكاتب تجربته الروائية الأولى هذه إلى الأغوار وشهداء الأغوار، فكان بطل الرواية (فتى الغور/ سقف الحيط/ نصير) ناقلا لها وشاهدا عليها بلغته الخاصة، مشكِّلا وجهات النظر التي تعكس بساطة تجربته ودقة ملاحظته في الآن نفسه، ليقدمها للقارئ في إطار سردي يحمل من الملامح الواقعية الشيء الكثير.
ويرى أبو صقر أن الرواية ليست بسيرة ذاتية وإن كانت توهم القارئ بذلك، كذلك ليست برواية تاريخية رغم انطلاقها من أحداث تاريخية معروفة. وهي في مسعاها هذا لا تقدم أساطير تراثية إلا ضمن ما يخدم فكرتها العامة ويعكس معتقدات الناس في ذلك الوقت. ويبدو أن الكاتب أراد من خلال هذا العمل الضخم أن يغطي المرحلة التي قادت إلى نكسة العرب عام 1967، واحتلال الضفة الغربية، إذ لا توجد الكثير من الأعمال التي تناولت روائيًا هذا الحدث المهم في تاريخ فلسطين، كما هو الحال في ما يتعلق بالنكبة، وأراد أن يقدم رسالة لجيل الشباب مفادها أن لا يتوقفوا أمام اليأس.
ومن أجواء الرواية ووصفها لتفاصيل الجغرافيا: “وصلوا إلى هضبة كبيرة مسطَّحة، وقد أصبح جبل قرن صِرْطِبّة على يمينهم، ويتلقّى كمية أكبر من شعاع الشمس منهم، بسبب ارتفاعه، وكانت الشمس تميل إلى الغروب، وهبت عليهم نسائم باردة، فقال أبو نسر: «هذه الساحة الكبيرة تسمّى «الملعب» وسمعت من الآباء وشيوخ البلد، إن الرومان استعملوه للمصارعة والاحتفالات، وكان بعض الختيارية يقولون إنه أقدم من الرومان، وإن اسم الجبل صِرْطِبّة مرتبط باسم البلدة، مَصْطَبة، لكن يا ابني ما حدا عارف!
لقد كان الملعب أرضا سهلة فوق هضبة، وبها الكثير من معاصير الخمر، يعني كانوا يزرعون الغور بالعنب، ويعصرونه في هذه المعاصر أو أنها لجمع الماء».
ومن أجوائها الإنسانية كذلك: «أحس سقف الحيط بهذه الخشونة الممزوجة بذرات الأرض ونبتها، وتخللت رائحة الغور خياشيم أنفه، كان من الممكن أن تجرح تضاريس الغور خده الشاحب مع أنها تحنو عليه، وتمتد على جبينه. وأحست بصيرة سقف الحيط بتلك اليد الخشنة، تقوم بسرعة بفك حبل المصيص من يديه اللتين حُلّيتا بأساور لحمية مزينة بأحافيرها الرسغية، ولونتا بلون الحرية الحمراء القاني التي يعشقها سقف الحيط، وما لبثتا عند فك حبل المصيص عنهما أن تحولتا إلى لون أزرق قاتم، في حين كانت كفاه تكادان تتفجران بعد أن انتفختا وتضخمتا، نتيجة شد الحبل بقوة عليهما لأكثر من ليلة ونصف نهار».
ومن ملامح النكبة التي ظهرت على وجوع الناس: «تأكد ذلك عندما خرج أبو نسر وابنه إلى الشارع ليشتري له براد أو بوظة كما أوصى الدكتور، وشوية أغراض ويعود مسرعا إلى الباص، فوجدوا مزاج الشارع قد تغير، وتغيرت أصوات الباعة، حتى بائع الجرائد اختفى صوته الذي به بحة مميزة من كثرة النداء، فلم تعد تسمع صوته، وتسمع أحيانا عبارات لا حول ولا قوة إلا بالله. انقلب مزاج الناس، تنظر في وجوههم فترى أنها تغيرت وأصبحت محتارة ومذهولة وغير مصدقة ما تسمعه».
ومما ورد من شهادات وتعليقات تناولت الرواية:
الدّكتور سليمان الرَّطروط: يوثّق هذا الكتاب مرحلةً من تاريخ عقربا بأسلوب مشوّق تملؤه العاطفة والوصف الممتع. ويتناول شخصيّات وأحداثًا وتراثًا وسيكولوجيا لإحدى قرى فلسطين الشَّرقيّة المحاذيّة للغور، وهو ما ينطبق على معظم قرى فلسطين.
الشاعر عدلي شمّا: يقال إنَّ الكتابة هي الدّخول إلى حلقة النّار، والكاتب المتمكّن هو الّذي يُدخل القرّاء في هذه الدّائرة كي ينصهروا معه فيها. وأعترف أنَّ الكاتب أدخلني إلى هذه الدّائرة.
الأستاذ أيسر رزق ديرية: سردٌ رائع ومفردات بسيطة لكنَّها معبِّرة، والأروع جمال الصّورة الّتي يستحضرها القارئ وهو يلتهم عبارات النَّص فيندمج به وكأنَّه لحظات معاشة أو فيلم يشاهده بعينيه.
الدكتور عبد الرحمن أبو صقر: أسلوب طرح هذه القصّة سلس جدًّا وممتع، ويجعل القارئ يعيش واقعَها، خصوصًا الأشخاص الّذين يعرفون بيئة الغور. شكرًا للكاتب على هذا السَّرد الأدبيّ وننتظر المزيد.
الأستاذ سائد عيسى: سردٌ رائع وممتع وشائق، أصبحت أنتظر منشوراتِك هذه بفارغ الصَّبر.
ومن الجدير ذكره أن كامل أبو صقر وُلد في عقربا، فلسطين، سنة 1960. تخرج في كلية الحقوق/ الجامعة الأردنية عام 1982، وحصل على درجة الماجستير من جامــعة HULL في الممــلكة المتحدة عام 2000. يعمل منذ أكثر من 40 سنة بمجال المحاماة والاستشارات القانونية، وشــارك في العديد من الندوات والمؤتمرات المتخصصة، وله مجموعة من الدراســـــات والأبحاث التي نُشرت في صحف ومجلات عربية وعالميـة.
صدر له قبل هذه الرواية
1. العولمة التجارية والإدارية والقانونية.. رؤية إسلامية (الجزء الأول، النماذج) 2000؛ ط2، (2001).
2. العولمة التجارية والإدارية والقانونية.. رؤية إسلامية جديدة (الجزء الثاني، الأساليب والآليات والنظم)، (2001).
3. العولمة والتجارة الإلكترونية.. الجوانب الإدارية والاستراتيجية والفنية، (2002).
4. نظرات في الوجود.. 99 ومضة، (2022).
5. Bridging the Gulf, The Authoritative Guide to Agency, Joint Venture & Sponsorship in the Arabian Gulf, 2000.
كتاب جميل جدا انصح في قرائته
كامل ابوصقر هو كاتب مخضرم وله اسلوب تشويقي رائع يجذب القارئ ويجعله يستمر في القراءة.
من افضل الروايات التي تجعلك تفكر في قصص الحياة ونضالات ومغامرات شباب الشرق الأوسط في أواخر القرن العشرين.