تقاطعات المحلي والكوني خلال الألفية الجديدة
عمان:-
تدور أحداث رواية “كايميرا” لسميحة خريس بين مدينتي عمّان ومادبا في الأردن، ومدن غربية أخرى ارتحلَ إليها بطل الرواية في طلب العلم، ثم ليدير استثمارات ضخمة جعلته من كبار الأثرياء.
وجاءت الرواية الصادرة عن “الآن ناشرون وموزعون” في الأردن في 146 صفحة من القطع المتوسط، وأخذت عنوانها من اسم مرض نادر يسبب تشوهات جينية دقيقة، وينتج عن اختلاط جيني من توأم لم يكتمل، فتتسلَّل بعض خصائصه إلى التوأم الآخر الذي يحمل طيفا منها لا يمكن كشفه إلا في مختبرات الفحص الدقيق.
وكايميرا أيضا بحسب نص الرواية: “وردت في إلياذة هوميروس، إنها مخلوق مذهل، لا يقهر، من سلالة الخالدين. ترسلها الآلهة لتحارب مع مَن اصطفتهم. لها رأس أسد وجسد عنز، ومؤخرة أفعى، تنخر زفيرًا مرعبًا ونيرانًا كالبراكين، ولا يمكن الاقتراب منها”.
وقد ألقت الرواية ضوءا على البنية الاجتماعية التي تشكلها العشيرة بهرميتها الفاعلة على مستوى الفرد والجماعة، ثم استخدمت هذه الهرمية في تشكيل البنى النفسية للشخصيات التي حملت معها هذا الموروث لتواجه العالم بتغيراته العميقة التي شهدها خلال الألفية الجديدة.
وتمرَّدَ بطل الرواية على أبيه الذي قدّس هذه الهرميَّة وانصاع لها طوال عمره رغم أضرارها الفادحة الّتي كان بإمكانه أن يتجاوزها لولا رضوخه الأعمى لها، فتنصَّلَ البطلُ منها، وشكَّل حياته بطريقته الخاصة. بيد أنه وقع في المحظور حين بات جزءا من نخبة عالمية من تجار السلاح الذين يستثمرون في الحروب ودماء الأبرياء.
يجسد البطل تمرده فيخاطب أباه في أحد المقاطع قائلا: “تشكر؟ ليش؟ شو ساوى لك؟ كنت عريان وكساك؟ جيعان وأطعمك؟ ما هو من تعبك وكدك، وتعليمي والدار من حق أرضك ومن سهري الليالي، خزيتني، ما أنت عارف قيمتك ولا قيمة ولدك، قللت قيمتي بين الناس. فتح جفنيه المغضَّنتين مذعورًا، كمن يرى أمامه ولدًا لا يعرفه”.
ويصف طبيعة الدور الذي يلعبه في تجارة السلاح التي يمارسها دون أن يهتز ضميره أمام تبعاتها: “فما زال السلاح الصغير سيد الحروب الكبيرة ومفجّر جنونها وشططها، وما عليّ إلا تهيئة المسرح ليلعب فيه، فالحياة مسرحية عظيمة تفوق خيال الكتّاب والمتأدبين وواسعي الخيال. وهأنذا أسير كما لو كنت مستمتعًا مطمئنًّا بين أزهار وأشجار هايد بارك، تلسعني نسائم باردة، أبعد عن خاطري أوجاع الضحايا الذين يقعون تحت رحمة شخوصي الأخرى. عادة لا تعنيني أوجاعهم، ليس عليّ جَلد ذاتي أو تعذيبها بعويل الذاهبين إلى الجحيم حتى لو كنتُ أنا مَن مهَّدَ الطَّريق”.
ثم يخاطب نفسه في حساب لجردة العمر قائلا: “لماذا لست فلاحًا يعزق الأرض وينظّفها من الحصى والأعشاب الضارة ثم يتمدد في ظل شجرة يغفو متشقّق القدمين آمنًا؟ ماذا يفيدني كلّ هذا الـ”لماذا”؟ إني أنا فحسب، ملكٌ بلا تاج على إمبراطورية اقتصادية شاسعة خفية وظاهرة، تمنح الحياة وتسلبها”.
وبرزت فترة الحجر الصحي التي رافقت جائحة كوفيد 19 لتكون مسرحا لكثير من الأحداث، ولتسهم في ربط الجانب المحلي لشخوص الرواية وأحداثها، بالمتغيرات العالمية التي فرضت نفسها على العالم في حالات الحرب وحالات السلم.
ومن الجدير ذكره أن سميحة خريس روائية وقاصة أردنية بدأت نشر أعمالها السردية منذ سبعينيات القرن العشرين، فصدرت لها أربع مجموعات قصصية وثماني عشرة رواية. وقد نالت عددا من التكريمات والجوائز، من بينها جائزة الدولة التشجيعية من وزارة الثقافة الأردنية (1997)، وجائزة أبو القاسم الشابي (2004)، وجائزة كتارا للرواية العربية (2017)، إضافة إلى وسام الحسين للعطاء المميز في العام 2015.. وتحولت كثير من رواياتها إلى أعمال درامية أنتجتها مؤسسة الإذاعة والتلفزيون في الأردن.