ما انفكّ الملك الضليل جندح بن حُجر بن الحارث الكندي، الملقب امرؤ القيس(500/540م) ، يناهض توجهات والده السياسية، خاصة وأن النظم القبلية آنذاك ،في العصر الجاهلي ،حكمتها التبعية و المصلحة ، بحيث فكك مثل هذا الطرح اللحمة العربية ،مابين اصطفاف لصالح الروم ،وانحياز للفرس، وهي قاعدة خلقت تباينات جمة وتنافرات بالجملة في الأهداف السياسية والاقتصادية والمجتمعية العربية ،غذّت وأججت، بشكل كبير، ثقافة الثأر المعهودة لدى العربي في جاهليته.
انكبّ الشاعر العربي امرؤ القيس على حياة المجون ، كضرب من التمرد على نظير هذه الإيديولوجية التي قسّمت العرب إلى جبهتين متضاربتي المصلحة، في إطار تاريخي يئن بالمسبة والمنقصة ويبصمه عار الموالاة.
تواسيه في تنويعات المنافي قصة حب تغدق على لحظة التصعلك والسكرة والانكسار فيها والانطفاء، أطياف فاطمة المعشوقة الأبدية ، وإن عاش متقلبا بين أسرّة النساء،جلّ العمر.
شاعر خمرة ونساء،راح يرواغ أزمته الوجودية تلك ، بألوان حياة التصعلك وبجملة من معاني مناطحة راهن التبعية ،فيما يجلبه على كامل القبائل العربية ،من تناحرات وانقسامات،تسهّل على الفرس والروم كليهما، مهمة استعباد العرب واستنفاذ ثرواتهم.
وهي حسابات تاريخية على مقاسها، ربما نُسجت ملامح الجنائزية في سيرة الملك النعمان، بعدما انتفضت داخل جوانحه نخوة العربي، واتقد حسّ الانتماء الكنعاني،قدرا نضجت له ثقافة الرغبة في الخلاص من تلكم الهيمنة والتبعية الخرقاء.
قال الملك الضال قولته الشهيرة، حين صفعه الناعي ،بخبر اغتيال ملك كندة،حجر، والد هذا الفارس الشاعر ،وقد امتطى صهوة عولم التسكّع ،في معارضة صريحة لزخم البنود والأحكام والمساطير السياسية التي كرّست أجيالا للهيمنة والتبعية التي تلغي العروبة كيانا وهوية.
” لاصحو اليوم،ولا سكر غدا، اليوم خمر وغدا أمر”.
رد فعل يختزل غليانا وثورة خفيضة ما فتئ الفارس الشاعر يترنّم بأبياتها ويردد تيماتها ،بعيدا عن السرب ،وإن شاطره معسول كؤوس الصعلكة، ورشق الملكيات المسنة بوابل من رسائل الفتوة المنقلبة على الأعراف والقوانين السائدة،والتي تخدم دولتي الفرس والروم ،وتمزّق الوجود العربي على نحو جلي بين.
لم يجد الملك الضال جهة تعاضده في فصول ملحمة الثأر لملك كندة المغتال، سوى يدا من خارج الحدود العربية، وهي يد لم تك بريئة في أية حال، كون طموحات امرؤ القيس، سبقته إلى عدو من الخسة والغدر السياسي بحيث لا يبصر سوى مصلحيته ويرعى مكتسبات التبعية له،وإن تم بتحالف مع الشيطان ذاته.
قتلته جبة القيصر المسمومة، مجهضة هذا الحلم في طور تفتّقه ،كأنمّا حاول البزوغ ليملي ،الخطوط أو اللبنات الأولى لثقافة استنبات ملامح هوية عربية خالصة ،تقبر عهد الخلافات والتشرذم القلبي ،نتيجة الخنوع لواقع موالاة الفرس والروم وتأليه مصلحتيهما الجانيتين على الوجود العربي الجاهلي إجمالا.
اللوحة عن موقع الجيل الطموح
بقلم أحمد الشيخاوي