يأتي كتاب “العمانيون والتَّدافُع الاستعماري على إفريقيا” مكملًا لسلسلة كتب الباحث “جون ويلكينسون” عن سلطنة عُمان، التي ضمت: “عُمان والمشيخات المتصالحة” (1965)، و”المياه والاستيطان القبلي في جنوب شرق المنطقة العربية: دراسة حول الأفلاج في عُمان” (1977)، و”تقاليد الإمامة في عُمان” (2009)، وكتاب “الإباضية: أصولها والتنمية المبكِّرة في عُمان” (2010).
الكتاب الذي ترجمه الشيخ محمد بن عبد الله بن حمد الحارثي وصدر عن “الآن ناشرون وموزعون”، يشتمل على سبعة عشر فصلًا تتوزع على 752 صفحة، ويتضمن تحقيقًا مفصَّلًا لمختلف المراجع الغربية، ويميط اللثام عن الكثير من المعلومات التي طواها الزمن ويجهل تفاصيلَها حتى المتخصّصون في العالم العربي والإفريقي والغربي.
يقول الحارثي في مقدمته للنسخة العربية: «قام المؤلف في كتابه هذا -وعلى مدى عقود من الزمن- بتحقيق مفصَّل لمختلف المراجع الغربية، وأماط اللثام عن الكثير من المعلومات التي طواها الزمن، ويجهل تفاصيلها حتى المتخصصون في العالم العربي والإفريقي والغربي، وتضمَّن كتابه تفاصيل الوجود القبلي العُماني في أفريقيا قبل التغلغل الأوروبي، وأكَّد أن الرواد الأوائل الذين اجتازوا أفريقيا واستكشفوا مصادر العاج في أعالي نهر “الكونغو” قبل وقتٍ طويل من وصول المُستَكشِفين الغربيين كانوا جميعاً تقريباً من العُمانيين القادمين من داخل البلاد، وليس من ساحلها، وتطرَّق الكتاب إلى تقاليدهم ومعتقداتهم وحركاتهم وسماتهم الداخلية والدور الكبير للمبدأ العقائدي للإباضية في فترة التدافع».
ويستكمل الحارثي: «لقد أعاد الكتاب الحياة إلى حركة الشعب العُماني في أفريقيا خلال القرن التاسع عشر، ووضَّح مسلسلات التعاون والمنافسة والصراع الذي ظهر بينهم وبين القوى الأوروبية التي كانت تتدافع إلى أفريقيا من أجل المجد والثروة، والتي انتهت بتقسيم المنطقة واستعمارها، ويمكن أن تسهم هذه الترجمة التي تشمل أحداثها تشابك الثقافات والدين والصراع والتعاون -أساساً- في فهم خلفيّات الانقلابات الأخيرة في أفريقيا وجذور وسياسات الدول الغربية ومواقفها من الدول التي استعمرتها».
ويضيف الحارثي: « لقد أفضت العلاقة الناشئة بين “زنجبار”، والساحل “السواحلي”، وداخل أفريقيا، إلى تحوُّلٍ في الاهتمام الأوروبي من الواجهة الساحلية إلى داخل القارَة الأفريقية، بدايةً مع تقارير المُستَكشِفين والمُبشِّرين، ومن ثم عبر مصالح وطموحات الشركات التجارية والقراصنة الانتهازيين، وأخيراً عبر فَرض السيطرة المباشرة للقوى الاستعمارية، وهناك سِمَةٌ تُهيمن على سَردِهم، أو أن تلك الميزة استُغِلَّت لكي تكون ذريعة للتدخُّل وحرمان العرب من أي حقوقٍ لها أسبقية في الأراضي، أي إن العرب كانوا تجار رقيق، وبالتالي فهم “خارجون عن القانون”، لكن في الحقيقة ثمة ميزة واحدة تُهيمن على التوسُّع العربي في الداخل: البحث عن العاج. وقد استندَت المَحميات البريطانية والألمانية وفوق كُل ذلك “دولة الكونغو المستقلَّة” التي أسَّسها الملك البلجيكي ليوبولد إلى ذريعة أن العرب كانوا تجاراً للرقيق وبالتالي فهم، شأن القراصنة، خارجون عن القانون. إن العرب الذين افتتحوا أفريقيا قَبلهم وأتاحوا لمُستَكشفيهم الغربيين إمكانية اكتشاف القارَّة الخفية، جُرِّدوا من حقوقهم، وباتت الغاية طردهم، أو إخضاعهم أو تدميرهم».
وأما جون ويلكينسون مؤلف الكتاب فيقول في مقدمته للنسخة الانجليزية التي صدرت عام 2014: «إن الانشطار ما بين الشؤون الداخلية لعُمان والأخرى المُتَطلِّعة نحو الخارج، ومسقط وعُمان “السلطنة البوسعيدية”، هو فحسب انفصالٌ سياسي ظاهر يبدو موهِماً كانفصال الحُكم بين الوطن الأُم [عُمان] والساحل السواحلي الذي حدَّدَه قرار كاننغ (Canning Award) [اللورد ستراتفورد كاننغ] في عام 1861م. لقد شَكَّل العلماءُ، ورجال القبائل، وبياسرة المنطقة الداخلية، جزءاً من الترابط فيما بين العلاقات الدولية وما بين الطوائف التي أرست روابط ما بين الموانئ والأراضي الداخلية لعالم الرياح الموسمية، شأن البحَّارة الذين كانت مراكب تجارتهم تتنقَّل موسميّاً ما بين الهند والجزيرة العربية وشرق أفريقيا وتوفِّر الأسطول الاحتياطي للبحرية العُمانية، وقد اتَّضَحت لي هذه الأمور عندما بدأت أبحث في تاريخ مصادر العاج وقصة تُجَّار، من الخوجة، والعُمانيين، والسواحليين، الذين كانوا أول مَن اجتازوا أفريقيا قبل وقتٍ طويل من وصول [المُستَكشِفَين الغربيَين] ليفينغستون (Livingstone) وكاميرون (Cameron) إن الروَّاد الذين استكشفوا مصادر العاج في أعالي نهر الكونغو كانوا جميعاً تقريباً من العُمانيين القادمين من داخل البلاد، وليس من ساحلها».
ومن الجدير ذكره أن محمد بن عبدالله بن حمد الحارثي مترجم عُماني حاصل على درجة البكالوريوس في إدارة الأعمال والمحاسبة، ودرجة الماجستير في الاقتصاد من الولايات المتحدة الأمريكية (1981).
وقد ترجم مجموعة كبيرة من الأعمال التي تتناول التاريخ العُماني من منظور غربي، ومن أهمها: “ظل السلطان” 2023، “عمان بناء الدولة العصرية ٢٠٢٤ ، موسوعة “يوميات المقيمية في الخليج والوكالة السياسية في مسقط” في 3 مجلدات ، موسوعة “النفط والحدود في الخليج” في 3 مجلدات، موسوعة “عُمان.. الوثائق السرية” في 20 مجلدا صدر في كانون الثاني/ يناير 2023م ، موسوعة “الوثائق البريطانية السرية.. جذور الدولة العربية الحديثة” في أربعة أجزاء ضمَّت 25 مجلدا سوف تصدر في سنة 2024م ، بالإضافة إلى كتاب “المضيرب وإبراء أنموذجين للمدينة العمانية”، “السلطة وتعاقب الحكم في الممالك العربية” من جزئين ، ومقالات اقتصادية بعنوان “مقال مقابلة وكلمة” في جزئين.