مجموعة مسرى الأشواق
تنفرد الشاعرة المغربية فاطمة قيسر من خلال ديوانها الأنيق “مسرى الأشواق”[1]، في خضم الإبداع الشعري النسوي الجديد،
كصوت مختلف، يبوح بما يختلج ويتأجج في الذات من أشواق روحية أصيلة ، وغربة متدفقة، أقرب إلى الصوفية، مناجاة شعرية ذات أبعاد روحية، فإنك عند قراءة المقطع الشعري الأول ضمن أشواقها حتى يأخذك النفس الشعري، والأسلوب الأصيل واللغة المتينة في مواصلة القراءة، إنها معان تنساب انسياب الماء فوق خمائل الجداول، تنساب معها خفقات الروح لتعبر عن معان جديدة للغربة، هكذا هي ديباجة الديوان من أشواقه الأولى ومعراج روحه الملهمة، وقوة شخصية صاحبته، وعباراته البديعة.
وهو التجربة الثانية في ميدان الشعر والصادر عن جامعة المبدعين المغاربة، سنة 2019، تصدرته لوحة جميلة للفنانة خيرة جبران، أما تجربتها الأولى فهي بعنوان “ترانيم من بوح بلقيس”عن مؤسسة آفاق بمراكش، كانت خلاصة تجربة متميزة من العطاء في المجال الإبداعي، والعمل في التدريس، والولع باللغة العربية، وجمالية حروف لغة الضاد.
يقول تولستوي: “إن الهدف الرئيس للفن هو أن يظهر الحقيقة عن روح الإنسان، وأن يكشف عن الأسرار التي لا يمكن التعبير عنها بكلمات يسيرة، إن الفن ميكروسكوب يسلطه الفنان على روحه، ويعرض تلك الأسرار المشتركة مع الناس”[2].
الحقيقة الكاملة التي بحث عنها المفكر والأديب الروسي تولستوي عن الفنان وروحه، وصاغها في هذه الكلمات عن النبي المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم، تعبر بحرارة وصدق عن أحاسيس الشاعر الفنان، والشاعرة فاطمة قيسر تعانق أرواح النفوس بمقطع من قصيدة تمهلي:
سأقول للأحلام تمهلي
آن الأوان أن ترحلي
تراءى الخريف مزمجرا
يجتث الجمال بمعول
حتى النفوس تصحرت
قد جف عذب المنهل[3]
دعنا ننهل من هذه القصيدة جمالية العبارة، ورقة الأديبة التي تسافر بالروح كي تعانق أشواقها المتناثرة، فتغدو القصيدة ملاذا للأحلام ومرتعا للفصول، فتغذي النفوس دون الحياد عن موازين الإيقاع الذي اكتسى حلته التي تشبه معلقة امرئ ألقيس في قوافيها، فالشاعرة خالفت نمطية القصيدة الرقيقة الأداء. الرقة في العبارة والمعاني، والقوة في السبك والديباجة.
وتراها حينما تناجي الأرواح في قصيدة عنونتها بنفس العبارة فتقول:
هي السهام توالت
فكيف أتقي الرماح
وكيف لقلب تهاوى
فمن يضمد الجراح
وحين تذرف قسرا
فمن يكبح الجماح؟
أماه أناديك تعالي
أما تسمعين النواح[4]
هكذا يجد المتلقي أمام هذه القصائد التي تحمل في طياتها حمولات الاغتراب، يواصل القراءة بلا ملل، ينتقل من قصيدة إلى أخرى يقتفي أثر مباهجها فينتقل من معنى إلى آخر يبهره دقة العبارة وجمال الصياغة، بحيث تنساب القصيدة كالماء في صفاء السريرة وهدوء الفكر والروية ، حقا ونحن نطالع هذا العمل الأدبي نعتز بشاعرة متميزة وتجربة خصبة، ومتدفقة الأحاسيس والمعنى، مع دقة المعجم الذي ينم عن ثقافة إلمام بلغة الضاد.
هامش :
مسرى الـأشواق، فاطمة قيسر نشر جامعة المبدعين المغاربة، الطبعة الأولى 2019.[1]
[1] – حكم النبي محمد تولستوي، الطبعة الأولى 2008. ص: 7.
– مسرى الأشواق ص:22.
-مسرى الأشواق ص: 43.[4]
*بقلم لحسن أيت بها