لم أشاهد سوى الأحذية تلفظها النافذة بقوة ،ولا أسمع سوى جدال حاد ، سباب ، صراخ…كنت أنتظر معرفة ما وقع ،ولم أتبين أي شيء فقد هدأت عاصفة هذا العراك الذي رأيت أثره ولم أرَ فاعليه…
الفضول يمسك بقدمي لأنتظر أكثر ،فالفراغ يحتاج إلى خبر نلوكه بيننا نطعم به بقية ما يشاع من هنا وهناك …وأنا أنتظر المجهول جاءني رجل يركب حماره وبادرني بالسؤال من غير تحية:
ـ ” أتعرف أين يسكن حميد ؟ .
ـ حميد؟ من ؟
ـ سألتك وأنت تسألني .
ـ تمهل ، هناك حميد ابن خالتي يتابع دراسته في الجامعة، وحميد جاري شيخ مريض شفاه الله ..أما حميد بن حمدان فقد هاجر سنوات وانقطعت أخباره عنا منذ أن غادر قريتنا.
ـ لا ذا ولا ذاك ،أفدتني بالكثير الذي لا فائدة لي منه، وداعا .
تابع الرجل طريقه على حماره المطيع وأنا أشعر ببعض الاضطراب يلف تفكيري ، فصرت أسائل نفسي : كم أنت مغفل ، تعرف من حميد ثلاثا ويفلت من معرفتك حميد المبحوث عنه ، كنت أفكر وأنا أدور في مكان وكأني أحاول أن أتذكر مكان شيء نسيته وانأ على أهبة السفر..فجأة جريت وراء الرجل ولم أعد أراه ،لقد اختفى عن أنظاري متجها إلى جهة غير معلومة ، أردت أن أناديه بأعلى صوتي لكنني تذكرت أن هذا لا يليق ،أردت أن أتبعه بدراجتي حين أحضرها لكن المسافة بيني وبين منزلي طويلة .
كنت أفكر في الأمر حين بدأت ذات النافذة تلفظ أدوات منزلية هذه المرة ، جدال ، صراخ ، كلام ساقط …كنت أتابع المشهد الغريب المجهول مُخرجه ..سمعت من بين ما سمعت اسم حميد ،فارتبكت ،حميد؟؟ أصغيت جيدا فإذا بالاسم يتكرر …جريت وراء الرجل كي أخبره عن مكان حميد ،كنت أركض وكأني أحمل إليه بشرى عظيمة …أخيرا بدت لي صورة الرجل ، إنه جالس هناك تحت شجرة التين ،يصلي ربما …خفضت من سرعتي ،واقتربت منه فلم يكن ذات الرجل الذي أريد ،ولم يكن يصلي ،كان جالسا وبيده سبحة ، سلمت عليه فرد السلام بكلام يشتم منه تدينه واستقامته أضاف “أهلا وسهلا اسمي حميد جئت ابحث عن رجل اسمه عبد الحميد ،وقيل إنه يسكن في هذه القرية ، عبد الحميد شيخ ورع وعالم جليل يقصده الطلاب للاستزادة من علمه الغزير ، فهل تعرفه؟”.
لم أجبه ، تابعت طريقي وأنا مضطرب في غابة من أسماء كلها “حميد”.