عبد الرحيم التدلاوي| المغرب
{للجسد لغة نتتبعها ، فتلج بنا لأسرار.} ، رجاء عالم ، موقد الطير ، ص 27
_غض بصرك..!
_لن أفعل..
_ لم تصر ، و بعناد ؟
_أصر لأني، أنا العبد الضعيف ،متيم بهن ، واقع في هواهن ، فلم تطلب مني ما يفوق قدراتي ؟. لا سلطان لي عليّ..خاصة في حضرتهن.كلما شاهدت أنثى تندلع في نار من غير شرر شبيهة بالشهقة ، يعشوشب قلبي ، و تتغذى نبضاتي ، تخرج في الهواء مغسولة بندى الفجر لتصير رنين أجراس تدعو للصلاة. تلك اللحظة تعلمني أني وقعت في الحب ، و للأبد.
اتق الله ، و ابتعد عن الفحشاء..
_ لا أرى عشقي للنساء فحشاء ، تلك نظرتك أنت ، أما أنا ، فأرى ذلك منتهى الأرب ، و غاية الطلب ، و بداية الحياة ، فالمرأة شجرة الحياة ، ينبغي أن تتسلقها لتقبض على نور الجمال. أنصت لتسابيح الموج على اجسادهن ، و إلى اصطخابها ، فأرى ذلك نداء علويا صافيا يهز فؤادي المتيم و يحثه على هزم الشيخوخة. فللعشق إيقاعه المضاد للزمن.
_ أراك تهرطق ..
_بل أقول عين الصواب ، فمن لا يعشق الحياة لا يعشق النساء ، فهما صنوان ..
_ كف عن الهراء..
و أضحك ملء قلبي ، و أعقب :
_ هراء ؟ عجبي ، كيف يكون العشق هراء..
_ إذا تعدى واحدة..
_ سيكون هذا هو الهراء ، فالاكتفاء بواحدة يجعل إدراك معنى الحياة مبتورا ، و عشقهن جميعا يحقق الكمال ، إنها تلك اللحظة التي تعيد فيها أنثى البداية ، الأنثى الكاملة قبل أن تتجزأ إناثا..
و أضفت بكثير من الحماس الممزوج بالحكمة :
_العاجزون يضيقون الواسع بقواعد و قوانين ليرتاحوا ، ليسكنوا ضجيج رغباتهم الداخلية..إحساسهم بالخواء يضجرهم ، و يعري فشلهم في تحقيق الإشباع النوراني..
و يصر صاحبي على دعوته الأولى :
غض بصرك..
يأمرني، كما غيره ، بذلك ، مراهنا على أخلاقي العالية ، و كوني محصنا .لن أغض بصري ، سأبقي عيني مفتوحتين على أشدهما لتشرب تدفق الحياة فيهما ، لا يمكنني الاستجابة لدعوتكم ، عفوا ، فالمرأة زينة الحياة ، بل هي الحياة ، و أنا أعشق أن أكون بين أحضانها مستمتعا بالعطر و الجمال. لو أسندنا القيادة لها بعد أن نطهرها من ثقافة الذكورة لقادتنا باتجاه الحب ، لعلمتنا كيف نرتوي من نبع الحياة الصافي ، لجعلتنا ندرك معنى السلام النفسي. فكيف أغض البصر أيها الأوغاد ، موتوا بغيظكم ، فامرأة واحدة لا تكفيني ، و القفص سجن يقتل رغبة الحياة لدي ، أريد أن أحلق عاليا ، فما الذي يضيركم إن أحبتت واحدة و ثانية ..سأخوض غمار مثنى و ثلاث و رباع ، و خماس ..سأجعل وكدي المرأة و قبلتي عشقها ، إنني أتحد بالوجود بحضورها ، و أسمو بلمساتها ، و أدرك وجود الله في حضرتها. الارتباط بواحدة سيكسر جناح تحليقي ، سيجعلني بعيدا عن معنى الوجود. يا سادة ، أريد حوريات الأرض أولا ، فهن اللواتي سيقدنني إلى حوريات الجنة ، لأني ، حينها ، سأكون قد تعلمت معنى الهيام ، معنى المرأة بحق. لتحقيق ذلك ، سأفجر طاقاتي الهيامية. لن أوذي أحدا ، فلا ترتعبوا. و لا تقدموا لي نصائح بائتة ، تحاولون بذلك إقناعي بالتي بين يدي تعففا. إنني كذاك المتيم الذي قال : بجاهك يا آلهة الكعبة و العشائر ، اشهدي أني في الإمارة و الرئاسة زاهد ، و إني لإلى ربات الجمال و الحسن كادح.
أذكر أنه قيل لي : لما وضعتك أمك بمساعدة القابلة ، و كان ذلك في المنزل و الفصل ربيعا ، زغردت النسوة الحاضرات حتى بلغت الزغاريد عنان السماء كما لو كن يبغين إبلاغ العالم بولادة معجزة ، في تلك اللحظة تراكمت سحب عطرية و نزل مطر خفيف منعش جعلهن يستبشر بك خيرا. ثم تسابقن على إرضاعك بأريحية ، تنافسن على ذلك وقد أدركن ، بعد فوات الآوان ، أن أمك قد أسلمت الروح ، فرغم أن الولادة كانت يسيرة ، و أنها لم تكن بمضاعفات ، إلا أن الجميع انشغل بي و نسي تقديم الدفء لأمي ، اعتراها برد شديد اشتد عليها وطوقها بقبضة قره فكان أن استسلمت للفراغ.؛ كنت ألتقم أثداءهن بشهوة غريبة ، أشرب حليبهن الذي اختلط بدمي بمتعة كبيرة ، قيل لي : إني كنت أنتقل بين أثدائهن كما النحلة بين الزهور ، و لما بدأت معالمي تبرز ، كن يقبلنني من رأسي إلى أخمص قدمي ، و يداعبن بشبق أعضائي . فكيف لا أعشقهن و قد سكن كياني ، و صرن جزءا مني ؟
كيف يمكنكم إقناع رجل شبقي ، مهووس بالجنس ، و قد اشتد عوده ، أن يكون عفيفا ، انا ذو قلب كبير ، يتسع للكل ، لا يحب الاستبداد ، و
يؤمن بالتعددية ، و ما العفة إلا قيد صنعه الإنسان ضيق القلب و البصيرة.
أحدس أني سأكتشف في كل امرأة بعضا من نفسي. لا أحب القيد ، يكبل رحابة الذات.
قلت ذلك و أنشدت في حضرة فتنتها :
ما الخيانة ؟
كلمة فارغة
نملاها بضعفنا..
ما الغيرة ؟
مهوى الرغبة و جنون الانتظار
يسّاقط ندى الربيع
ذات مساء مشبع بالغواية
يتراقص تحت انغام نسائم أنفاسي الولهى
فوق حلمتي صدرك الباذخ و المتفتح كنوار اللوز
فتبدوان ككرزتين تتلأللآن كشلال من نور
تصرخ شفتاي
ترغبان في امتصاص ما تدلى من عناقيد الغواية.
زودتني الطيبيعة بحاسة شم قوية تمكنني من التمييز بين الروائح و العطور ، بين النساء و الذكور ، و تحقق لي متعة لا مثيل لها.
في يوم ربيعي رائق ، و الشمس ترسل أشعتها الدافئة فتوقط في الجماد الرغبة في الحياة ، و الأرض تزهو بعطورها المختلفة ، حمل إلي النسيم رائحة قرعت أنفي ، فوجدتني أنجذب
إليها كما
الحديد إلى المغناطيس ، سرت أتشمم الطريق ككلب صيد مدرب جيدا، اتنقل بين الأشجار
بحثا عن المصدر ، و في لحظة رأيت غديرا غير بعيد ، و سمعت أصواتا رقيقة ، مددت الطرف
لأزداد يقينا ، رأيت غيدا حسانا يعمن تارة ، و طورا يتراشقن بالماء ، و هن سادرات في لعبهن ، بقيت ، خلف شجرة سامقة أمتع نظري ، و في لحظة ، تذكرت حكاية امرئ القيس ، فبحثت عن الثياب ، لقيتها قريبة مني ، تفوح مسكا ، شممتها بلوعة ، و أنا أفعل ، لمحتني الحسان فصرخن ، إذ ذاك ، علمت أني صرت مكشوفا ، طلبت منهن إن أردن ثيابهن أن يخرجن من طراوة الماء إلى معشوشب الترى ، رفضن في البداية ، و لما خفن الغروب ، و فراري بالملابس ، أذعن لمشيئتي ، كنت أرى اللؤلؤ يتناثر من حوله ندى الصباح. و إمعانا في استدامة اللذة ، كنت أبتعد عنهن . طاردنني فأسرعت مبتعدا ، و لما التفتت لأاعرف الفجوة بيننا ، و لأستمتع أكثر ، اصطدمت بشيء صلب ، و ارتطم رأسي ، فسرى في دوي كمثل قرع درقة نحاس برأس دبوس . لم أر النجوم كما يراها كل من ضرب على رأسه أو تلقى قبضة حديدية على عينيه ، بل رأيت نساء مشرقات ، متوهجات كقبسات نور، يرتفعن شيئا فشيئا إلى أن انطفأت شعلة الكون.