حامد نصر
رواية نصف خائنة والتي صدرت في طبعتها الثالثة عن دار اكتب للنشر والتوزيع بالقاهرة هي الرواية الرابعة للكاتبة والإعلامية وفاء شهاب الدين والتي تنوعت أعمالها العشر بين الروايات والمجموعات القصصية ، بدأت الرواية بإهداء عاصف لم يسبق لي أن قرأت عمل أدبي يبدأ به حيث وجهت الكاتبة حديثها لبطل العمل قائلة ” إلى عزيز
قررت اغتياله ..نصل قلمي هو ما نفذ الجريمة ببراعة لذا لم أستطع التمييز بين دمك وحبره
لم أجد لك أفضل من قبر الكلمات ، و ارتأيت أن الخلود في جحيم الحروف بين أشباح المعاني وصرخات الجمل هو ما تستحق .. لذا دفنتك بين صفحاتي لكي تأخذ جزاءً تستحقه من كل زائر
اليوم أعلن أنني ارتكبت جريمتي الأولى في عالم الحب بلا رغبة في التوبة لذا …لا تسامحني.
من يقرأ هذا الإهداء قد يضطر لإعادة قراءته ثم يأخد عدد من الدقائق ليستعيد أنفاسه التي خطفت على حين غرة و ليستوعب تلك المقدمة العنيفة والتي تليق بالأحداث التي ستقرأ فيما بعد
تدور أحداث الرواية حول مبدأ الخيانة وأنواعها من خلال شخصيات محورية ترتبط فيما بينها بروابط مختلفة..لكن الخيانة هنا مختلفة ليست ككل الخيانات التي قد تمر في عمر الإنسان مرة أو أكثر فالخيانة التي عرفها كلاس بأنها «تورط سري عاطفي ينتهك الالتزام بحصرية العلاقة»، وبالتالي يمكن تعريف الخيانة العاطفية: (كل علاقة عاطفية غير شرعية تربط رجلا متزوجا أو امرأة متزوجة بطرف آخر خارج نطاق الزوجية)أو هو خرق لعقد الزوجين المفترض أو المنصوص عليه فيما يتعلق بالحصرية العاطفيةهذا التعريف قد لا يبدو دقيقا بالنسبة لرؤية الكاتبة فقد عالجت الموضوع معالجة مختلفة،حيث خلقت كل الظروف والأسباب التي تدعو السيدة لأن تعطي ظهرها لمن تحب وهي نفس الظروف التي جعلت من خيانتها له شيئاً مستحيلاً،فالنص الروائي مترع بأنواع مختلفة ومتنوعة من الخيانات التي لا يمكن تصورها فهناك أشكال أكثر وضوحا للخيانة – العلاقات خارج نطاق الزواج، إفشاء سر شخص آخر ثم هناك أشكال أخرى: الجبن الذي يمنع الصبي من التدخل بينما يتعرض صديقه للهجوم، دولة تحكم على عكس عقيدتها، غن الخيانة الكثر وضوحاً في قلب تلك الرواية قد لا تتعلق فقط بطعنة في الظهر لشريك بل باحترام المواثيق والعلاقات والمشاعر التي قد تتحول فجأة إلى العكس وجميعناً قد يجرب ذلك الانقلاب والذي يحول المحبة ذلك الثوب الأبيض الرائع إلى كراهية أو غيره أو حقد،قد لا يصدق أحد ان تلك الفتاة الريفية البريئة والتي فقدت أهلها جراء نوبة عناد رغبة منها في التغيير والارتقاء في السلم الاجتماعي قد تفقد أيضاً من اختارته بصحبة طفلتها وتركت أهلها لأجله في نوبة من نوبات القدر ،لتجد نفسها وحيدة تماماً بلا أهل ولا أصدقاء لتصبح فريسة لمن يمد يده إليها بالمحبة ،كيف تخون وهي الممتلئة بالأخلاق الريفية والآداب التي لا تستطيع تجاهلها، بطل الرواية لم يكن عدواً لبطلتها بل كان محباً عزيزاً لذا بدأت الرواية في سرد الأسباب التي دفعتها للخيانة معترفة بالجرم في شجاعة غريبة حيث تقول”كعادتك دائما، كلماتك تمنع عني الهواء وتتركني أصارع لأبحث عن نسمة أكسجين ضالة رحمها جموحها من الاحتراق بأنفاسك.
ترمي إليَّ باتهاماتك وتتركني موثوقة إلى غيوم المحبّة التي فشلت في منحي الهواء وتركتني في منزلة بين فقدان الوعي وفقدان الحياة، ولك أن تختار لي ما يناسبك.
كنت أحتاج شيئًا ما يجدد حياتي التي تتسلل مثلك من بين أصابعي، شيئًا يمنعني عن التحليق في سماوات الحب الخادع يحولني إلى امرأة كأي امرأة في ممالك النساء.
لا أبرر فعلتي، ولكنك مثلي جربت لذة أن تتحول من عاشق غض إلى خائن محترف، ألم تكن معلمي؟
علمتني أن لكل خيانة ظروفا وملابسات وقد توفَّرت لي كل الأركان، كل ما حولي كان يدعوني إلى استبدالك، وجهك العابس، صوتك الجاحد، رقم هاتفك الذي خاصم هاتفي، وجسدك الذي نسى تلك الليلة – عندما تخلى عن ذلك الضلع – ليهب لي الحياة”
قد يظن من يقرأ انها تعترف لكن الحقيقة انها تعاتبه عتاباً يحمله مسئولية انهيار العلاقة التي جمعتهما والتي حرصت على ان ترعاها وتقويها رغم كل ما حدث لم تكن هي ابداً الطرف الخائن ،ولكن كل الأبطال تورطوا في الأحداث كل شخص منهم خان الآخر بشكل مختلف حتى ولو بشعور عابر
حين تقرأ لوفاء شهاب الدين يجد القارئ نفسه وسط بستان من الشخصيات المتنوعة مختلفة الجنسيات في كل كتاباتها تقريبا نجد شخصيات تحمل جنسيات أخرى غير الجنسية المصرية فكتاباتها عابرة للحدود ثرية من حيث تنوع الثقافات و إلمامها بالعادات والتقاليد والأشعار فقد ازدانت الرواية بقصائد للشاعر الإماراتي أنور المشيري كما تزينت أيضاً بإحدى قصائد الشاعر السوري أيمن السلال فمنحت تلك الجواهر الفنية والأدبية العمل لوناً جميلا ممتعاً يمتع القارئ ويمنحه معلومات وافرة عن ثقافات أخرى .
أنهت وفاء شهاب الدين مباراتها بشكل غير متوقع ففي خضم انفعال القاريء وسط أحداث شديدة الحرارة تقرر الكاتبة إنهاء الرواية نهاية مفتوحة لتترك حيزاً كبيراً لخيال القراء ربما ذلك كان أفضل من نهاية معروفة وربما أرادت أن ينهي كل قاريء الرواية بالشكل الذي يناسب توقعاته لكنني تمنيت أن تكون نهاية مغلقة تريح فضول كل قاريء واعتقد انها النهاية المفتوحة الوحيدة في كتابات المبدعة والتي تجاوزت كتبها العشر .
صدر لوفاء من قبل «رجال للحب فقط» مجموعة قصصية و«مهرة بلا فارس»، «سندريلا حافية» مجموعة قصصية ورواية «تذكر دوما أنني أحبك» الصادرة عن مؤسسة غراب و«طوفان اللوتس» «أورجانزا» و«غواي» عن مجموعة النيل العربية و «شانيل» رواية عن دار زين للنشر،بالإضافة إلى نصف خائنة وتاج الجنيات