إن المتتبع لمسيرة الحسين ايت بها الإبداعية، ليخلص إلى نتيجة جلية، في سردياته على نحو خاص ، سواء من خلال منجزه الروائي الباكورة” هواجس الضياع” أو عبر عوالم عمله الجديد هذا والذي بين أيدينا وقد انتقى له وسوم” دروب التيه”، وهي خصيصة تكمن في التبئير على تيمة الضياع، أو التيه الذي ينتدب له الكاتب، شخوصا من واقع العوز والبؤس والفهم المغلوط للدين.
من هنا يمكن الحديث عن هيمنة أقنعة الديني في روايات الحسين أيت بها، من زوايا نزوع خطابها إلى الواقعية، وتوغل لغتها في قواميس المعاني القريبة، بل قد نذهب في زعمنا هذا إلى ما هو أبعد، اعتماد الروائي على الأنساق السيكولوجية المترعة بتنويع التقلبات في التفاصيل العميقة والدقيقة، كأميل ما تكون الأسلوبية في السرد إلى تجارب دوستويفسكي، بما يصب انتهاء في خلق التواصلية الساحرة التي من شأن اللعب السردي، ضمن أوراقها، أن يأسر المتلقي ويذهب بلبه إلى آخر محطات المنجز، وكأنه يحقنه بفصول السرد جملة واحدة.
تقدم الرواية قيد الدرس، واقعا معرّيا لدهاليز الشعوذة والدجل تحت غطاء الديني واقنعته، في إحدى مناطق الجنوب المغربي، وبحبكة درامية تنشد إلى نقاط تداخل الفساد المجتمعي والسلطوي والعقائدي، في ارتكاز كبير على مناخات الغرائبي والمأساوي، إلآّ فيما ندر، من الآفاق المشرقة، المنتصرة لأهل الضمائر والأحرار وانقياء العقول والقلوب والغيارى على هذا الوطن الذي يعتبر الجهل، العدو الأول واللدود له.
بعد أن يكون قد استفاق من غيبوبته وتعافى من جنونه، حقيقة تفتي بأن هذا الأخير بريء من دم أعز وأجمل أصدقائه منير، في مشهد ختامي يؤكد ضلوع جماعة من سماسرة الإنسانية والدين في إزهاق روح منير النقية والبريئة، من اجل الحصول على الكنوز التي يعتقد أن المنطقة تزخر بها، وأن قرابينها من هؤلاء الأصفياء الذين نطلق عليهم بلساننا الدارج” الزوهريين”.
رحلة سيكولوجية جاذبة ودامية، تتنقل بنا من خلالها الذات الساردة، من ازمة إنسانية إلى أخرى، تستهل بالتسامر الذي جمع الدركي محمد بثلة من الأصدقاء الاوفياء، مع كسر الرسميات الزائفة، حين يتعلق الامر بمصلحة العباد والبلاد، من بينهم النبيه سعيد، لمناقشة معضلة الاختطاف وقد باتت عنوانا بارزا وبعبعا يثير الرعب في الساكنة، اختطاف طفلة ،غياب الراعي الشاب منير، عودة المختار بومنجل بعد اختفاء طويل، وقد جن تماما من هول ما كابده خلف الجبل الكبير، في أرض الحفر الكبيرة والسراب والعطش، ليزيد من هلع اهل القرية، حدّ الأسطورة والتسليم بقوانين العالم السفلي الذي يفيض بالأرواح الشريرة والاشباح.
إلى غاية تزامن اطلاع القارئ والدركي المخلص والمسؤول محمد كما صديقه الوفي سعيد، بحقيقة مقتل منير، وهي حقيقة صادمة يسمعانها من فم المختار بومنجل،
بعد أن يكون قد استفاق من غيبوبته وتعافى من جنونه، حقيقة تفتي بأن هذا الأخير بريء من دم أعز وأجمل أصدقائه منير، في مشهد ختامي يؤكد ضلوع جماعة من سماسرة الإنسانية والدين في إزهاق روح منير النقية والبريئة، من اجل الحصول على الكنوز التي يعتقد أن المنطقة تزخر بها، وأن قرابينها من هؤلاء الأصفياء الذين نطلق عليهم بلساننا الدارج” الزوهريين”.
نقتبس من طقوس الرواية، الآتي:
“أستفيق من حلمي مرعوبا، أشعر بخيانة العالم، وتواطؤ الشيخ اسعيد والقبيلة. وجسد عبد العزيز ملقى هناك في إهمال وقد انفصل عنه رأسه، وهو يضحك في غير اهتمام ولا مبالاة أشعر بالندم والجريمة. ومنجلي الأيسر البريء يلمع في الظلمة.
والعتمة تكسر غضب الصمت، ومنير الآن بدأ يضحك، كم هي جميلة تلك الضحكة البريئة؟ وذلك الثغر والأسنان البيضاء المستقيمة اللامعة، من يشعر بالخوف في حضرتك يا منير؟ من يشعر بالوحشة؟
أنا الآن جسد بلا روح، قلب بلا إحساس، أستيقظ لأحلم، وأحلم لأستيقظ، تشابهت أحلامي بالحقيقة.”.