“أنفاسٌ كِمامة في زمن كورونا”محمد آيت علو/المغرب

جمد الظل وراء باب الفجر

وتحجر في صباح غد موبُوء

في عزلة بلا حدود

عزلة صرخت في غد مُرّ

من هول العدوى

صار الخلان مبتعدين

عزلة صرخت في غد مر

بعينين تهملان دموعا…

وبصوت مذياع مسن حزين

عن من علقوا بالمطار…

ومن دفنوا في صمت

دون حضور أو أثر

وعن رجل أمن جلس القرفصاء مرتابا

واضعا رأسه بين كفيه

وقد خط الشيب فُودويه،

وزادت حرائقه إلتهابا

لما رأى هول الفاجعة

وأعداد الموتى والمصابين

ثم غاب في بكاء طويل

هو الذي كان يبحث عن حب يكتمل به

في صورة طفل

أو مُهر جامح

صغيرأصيل

وقد حاول تثبيت شراع…

وعن شارع

 بلا ضجيج أو ملامح

ومقاهي بلا عناق أو حنين

للشاي المنعنع والياسمين

واختفى الناذلُ والبن

لما غابت الكراسي

وانكسرت الفناجين

وعن الموت القادم

وجائحة الوباء

حجر وعزل

وجدار قديمٌ، وآخر جديد

وآخر غير آيلٍ للسقوط

زمن الوباء والحظر

والمدينة صورة الوجع المقيم

لما صارت الأرض كلها مأساة

وعن بذل بيضاء

وطبيب ممتقع الوجه أطلق دمعتين

وقد أزاح الكمامة متحسرا

حنى رأسه بخجل

خر إلى الأرض وانحنى

ثم هب واقفا،

لم ينبس ببنت شفه

تنهد طويلا

ومشى في المطرعلى عجل

لا أحد رأى دموعه…

كمن تنكر لكل ما خبر

ليبدأ من جديد…

كانت فراشات قلبه تطيرُ هناك

إلى حيثُ القمر…

وعبر الزجاج لمح وجوه أناس

لا ملامح لهم…

قبل ازدحامهم في الممر

رآهم يتدفقون، ثم يتساقطون

 الواحد تلو الآخر

فك رباط عنقه أكثر

حذق باستغراب، خفق قلبه

ثم غاص في رائحة الأنفاس

وعلى حافة مزاجه المتقلب الحيران

فرَّ الظل من تحت أقدامه،

يركضُ

يفكرُ كما يمشي

نحو الساعة بالجدار

أذكرُ أنَّ شيخي

لم يفقد اليقين أبدا في لحظات العسر،

وكان يقولُ: يا طين الحنين اصبر،

 دنيانا أجمل مما قد نتوهم ونذكر

وأغضض الطرف عما ترى

من قمة وجدك

ومزاجاتك الهوجاء

غض الطرف عن الأنقاض السوداء

وارض بالقضاء

فبعد الضراء السراء…

والمذياعُ المسنُّ يرسل هذه المرة

تراتيل القرآن

عن أبناء الطين

عمن قضوا نحبهم،

وسلموا أرواحهم إلى الباري الرحمن…

أغمضتُ عيني، كفكفتُ دمعي

وتمنيتُ أن أجوب كل الدروب

وأصلي لمن غاب تحت الثرى

وأجوب كل القلوب

وأزرعُ بسمة أمل

أزرعُ وردة

لكن المذياع ظل يبكي

وانتحبَ ابنُ الطين في حضرة اليقين

والضبابُ لم يغادر

والأرضُ كلُّها تدورفي فلك كورونا

واكتفيتُ بالسهوم

أبصر وأسمع

أنا الذي خبرتُ سرَّ الليل الحالك العميق،

وصمتي المتمرد كان يسـير بلا انتهاء،

يطوي العصور،

يشق الأفق

وما يشفي البحر لي الغليل،

والموج كالجبال، إن سد السبيل.

جمدتُ مثلَ الظل هناكْ

أمام باب الفجر

عينان ساهمتان حزينتان

بل تبكيان،

كمامة زرقاء

وأخرى بيضاء معاتبة مضطربة

وكأنها تغوصُ في مستنقع

حالات القلق

والفصولُ والأيام البعيدة

العينان الساهمتان تضحكان أخيراً

ترتسمُ فيهما الأزقة والدروبُ المهاجرة

في هذه الأثناء، رفعتُ بصري إلى السماء

وبحثت عني…

وكنتُ أراني رغم الشحوب

هواء عليلا..

ولما ابتسمتُ

كان المطرُ دفاقا

أطلقتُ دمعتين حارتين

تشبتتا بالكمامة

من شدة الألم

حينها تذوقتُ حياتي

كي تتقوى مناعتي

ولم أكن قبل اليوم أتمتع بالحياهْ

وفي بروق الزمن العدمِيِّ،

تساءلتُ هل هذا العصر ماتْ؟

وسجدتُ فانزاحَ الغَمْ.

عن عبد العزيز الطوالي

شاهد أيضاً

المشهد

عبد الرحيم جداية| الأردن ضعفت خطايَ.. وخطوتي فوق التراب تجرني في إثرها أمشي ثقيلا كلما …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التخطي إلى شريط الأدوات