«الأردن وغزة.. عام قابل للزيادة» لسميح المعايطة.. قراءة تحليلية

عمَّان-

يقدّم الكاتب السياسي، وزير الإعلام الأردني الأسبق، سميح المعايطة في كتابه «الأردن وغزة.. عام قابل للزيادة» قراءة تحليلية في سياق محاولته الإجابة على عدد من الأسئلة، وعلى رأسها: ماذا بعد تفتيت القضية الفلسطينية وتحويلها إلى قضايا متشعبة ومنفصلة؟ ومن ذا الذي سيحكم غزة في نهاية المطاف؟

يقع الكتاب الصادر حديثًا عن «الآن ناشرون وموزعون» في الأردن في 152 صفحة، ويضم عددًا من المقالات وخاتمة يتناول فيها المعايطة، الذي يرأس مجلس إدارة المؤسسة الصحفية الأردنية “الرأي”، السيناريوهات التي يمكن أن يفضي إليها الصراع الدائر في المنطقة، والذي يتجلَّى بشكل أساسي في العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة الذي دخل عامه الثاني دون أن يستطيع المجتمع الدولي إيقافه، وذلك الدور الفاعل الذي لعبه، وما زال يلعبه، الأردن في إقامة دولة فلسطينية مستقلة، مشيرًا إلى أن الأردن كان الوحيد الذي تحدث في ذروة العدوان والحرب على غزة عن ضرورة الحفاظ على حدود الدولة الفلسطينية، في مقابل ذلك النهج الذي اتبعته إسرائيل لتفتيت القضية الفلسطينية، وتقطيع أراضيها سواء بالاستيطان أو الاستيلاء على أجزاء منها، طمعًا في السيطرة على جميع أراضي الدولة ومحو الوجود الفلسطيني من خريطة العالم.

ويبدأ المعايطة الكتاب بتمهيد قصير يقول فيه: «هذه الصفحات مجموعة عناوين وقضايا تشكِّل في مجموعها محاولة أردني لإنصاف موقف دولته خلال فترة العدوان على غزة. موقف كان جليًّا في صدقه وسعيه لمساندة غزة وأهلها في مواجهة عدوان عسكري يحمل على دبابته مشروعًا سياسيًّا، لكن البعض منا وحولنا تعمَّدوا الإساءة لهذا البلد بحسن نية أو سوء نية، وربما نكون في الأردن -دولةً وأردنيين- لم نخدم أنفسنا جيدًا وانتظرنا الإنصاف من الآخرين الذين هم في خندق استهداف الأردن وليس إنصافه».

وفي المقدمة، يتحدث المعايطة عن طبيعة الصراع العربي الإسرائيلي، لا سيما ذلك الجزء الخاص بملف غزة لدى الأردن، وكيفية تعامل الأردن مع العدوان على غزة خلال عام من الحرب والتوترات في المنطقة، مشيرًا إلى ما حدث في السابع من أكتوبر 2023، ويصفه قائلًا: «لكن ما جرى في السابع من أكتوبر بعد قيام حركة حماس بعمليتها في مستوطنات غلاف غزة وبدء الحرب في غزة، والتي ما زالت بلا نهايات ولا أفق جعل ملف غزة يقتحم الأولويات الأردنية، ويفرض نفسه على مسار الدولة الأردنية خصوصًا بعد تحوله من ملف فلسطيني إسرائيلي إلى حالة إقليمية تحظى بالاهتمام الدولي، فكيف تعامل الأردن مع العدوان على غزة خلال عام من الحرب والتوتر الإقليمي؟!».

وفي المقال الأول، والذي يأتي تحت عنوان «الأيام الأولى»، يستشرف المؤلف موقف الأردن من أحداث السابع من أكتوبر في غزة، وذلك الصراع الذي سيندلع بلا انتهاء تقريبًا، إذ يقول المعايطة: «الأردن وبحكم ارتباطه العضوي بالقضية الفلسطينية وتأثره بأي حدث فيها استشعر -ورغم عدم اكتمال صورة ما بعد السابع من أكتوبر- أن الأمور ستذهب إلى أزمة وتطورات عسكرية تترك بصمات على القضية الفلسطينية، ومع إعلان نتنياهو وحكومته الحرب بكل ما تعنيه الكلمة من استحقاق سياسي وعسكري والحديث الإسرائيلي عن حرب ستحتاج من تسعة شهور إلى عام، كان واضحًا أن نتنياهو لن يفرط في استغلال هذه الظروف للذهاب بعيدًا لتحقيق أهدافه السياسية والعسكرية، ليس فقط في غزة، بل في الضفة الغربية والقدس».

وأما المقال الثاني، والذي يأتي بعنوان “الرواية الإسرائيلية والوعي الأردني” فيلقي الضوء حول أحداث السابع من أكتوبر من وجهة النظر الإسرائيلية، وإدراك الأردن بكيفية استغلال نتنياهو تلك الأحداث أسوأ استغلال للوصول إلى هدفه المتمثل في تصفية القضية الفلسطينية، وإبادة الفلسطينيين عن آخرهم، فيقول المعايطة: “الأردن -ومن خلال تصريحات الملك عبدالله- عمل على نقض أصول الرواية الإسرائيلية بتذكير العالم أن القضية الفلسطينية لم تبدأ في السابع من أكتوبر، وأن عمرها تجاوز ٧٥ عامًا تعرض فيها الشعب الفلسطيني لاحتلال أرضه والتشريد والتهجير، وأنه لم يحصل حتى اليوم على حقوقه على أرضه.

ولأن الأردن يدرك المسافة بين أوروبا وأمريكا في الموقف من القضية الفلسطينية سارع الملك إلى جولة في الدول الأوروبية الفاعلة حاملًا معه رسالة مهمة رغم إدراكه صلابة الجبهة الأوروبية الأمريكية التي تشكّلت لمساعدة إسرائيل في حربها في غزة”.

وفي مقال بعنوان «هل نحب من يخدعنا؟» يعود المؤلف إلى أحداث حرب 67، أو ما يعرف بالنكسة، مقارنًا بين مواقف عدد من الدول قديمًا وحديثًا. يقول المعايطة: «تاريخ أمتنا مع صناعة الوهم طويل، ودائمًا كنا مع كل إحباط، أو خديعة، نصاب بخيبة أمل وانتكاسة، لكن مع مرور الوقت نعود مستعدين لتقبل وهم جديد وتعظيم جهة أو دولة جديدة تمارس علينا صياغة بطولات شكلية، أو تخطفنا، من خلال قضية مقدسة؛ مثل قضية فلسطين، لتسويق وخدمة قضية أخرى لهذه الجهة أو تلك.

ودائمًا ما يكون الصوت العقلاني، أو الذي يتحدث عن حقيقة ما يجري محل هجوم وافتراء واتهام بكل التهم الرديئة، فنحن مشتاقون إلى النصر والإنجاز، لكن واقعنا لا يخدم هذا الشوق، ولهذا نصدق من يذهب بنا إلى أمنياتنا، ونمنحه الأوصاف الكبرى، ونضعه في أعلى مراتب الوطنية، لكننا نعود إلى خيبة جديدة مع كل أزمة أو مرحلة صعبة».

ويتابع المعايطة في المقال نفسه: «نقرأ ونسمع عن مرحلة ما قبل حرب ١٩٦٧ حين كان نظام جمال عبد الناصر يملأ الفضاء تهديدًا لإسرائيل، بل وذهب خطوات إلى إعلان الحرب؛ مثل إغلاق مضيق تيران، وكانت إسرائيل تسوق نفسها للغرب على أنها ضحية هذه التهديدات، وكان حديث نظام عبد الناصر عن الصواريخ التي ستدمر إسرائيل، لكن الأمة استيقظت يوم الخامس من حزيران وقد دمرت إسرائيل كل طائرات مصر العسكرية، وكان غريبًا أن دولة تهدّد بالحرب لم تتوقع هجومًا عليها من العدو، وضاعت سيناء والجولان والضفة الغربية، واكتشفت الأمة أنها كانت تعيش وهمًا، وأن صراخ نظام القومية والثورية كان لأغراض إعلامية ولم يكن على الأرض ما يصلح للحرب».

ويختتم المعايطة المقالات والكتاب كله بخاتمة قصيرة ينهيها بالتساؤلات، إذ يقول: «وستعمل إسرائيل على تفتيت القضية الفلسطينية إلى قضايا لنكون أمام قضية غزة التي لن تنتهي فصولها إلى أمد بعيد، فمن سيحكم غزة سؤال مهم، لكن الأهم من وماذا سيبقى في غزة، وكيف سيكون شكلها السياسي والجغرافي والسكاني؟

ولأننا في الأردن ندرك أن الجغرافيا جزء من قدرنا منذ أن كانت إمارة شرق الأردن فإننا على يقين أن آثار العدوان على غزة سيبقى بعضها معنا فترات طويلة، فإذا كان الأردن يعلن أن إقامة دولة فلسطينية مستقلة على تراب فلسطين مصلحة أردنية عليا فإننا جميعًا ندرك أن عدم إقامتها، وأي مسار سلبي للقضية الفلسطينية ليس مصلحة أردنية وعامل قلق سياسي طويل الأمد».

ومن الجدير بالذكر أن المعايطة عمل وزيرَ دولة لشؤون الإعلام ووزيرا للثقافة بالأردن (2012-2013) ووزير دولة لشؤون الإعلام والاتصال (2012)، والمستشار السياسي لرئيس الوزراء، كما كان الناطق الرسمي للانتخابات النيابية بالأردن عام 2010، وهو حائز على جائزة الحسين لأفضل مقال صحافي (2009).  أصدر كتابا حول الأزمة السورية وتداعياتها الإقليمية وآثارها على الأردن بعنوان «سوريا..الدم الأسود» (2017) وكتاباً بعنوان «الأردن سنوات الدم والقلق والتطرف» (2015)، وكتاباً بعنوان «سيف الدولة… ربيع الأردن وأوراقه» (2013)، كما صدر له: «الدولة والإخوان في عهد الملك عبدالله (2008)»، «قضية ومقال» (2005)، «التجربة السياسية للحركة الإسلامية في الأردن» (2004)، «واقع ومستقبل الشرق الأوسط» (مؤلف مشارك)، «التسوية السياسية للصراع العربي-الصهيوني»، «المفاوضات الثنائية والمتعددة» (مؤلف مشارك/ باللغة الإنجليزية).

عن أحمد الشيخاوي

شاهد أيضاً

تحديات القراءة وأثرها على الشباب

وفاء شهاب الدين| مصر‎ وخير جليس في الزمان كتاب” كانت الكتب في طفولتي في جليسي …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التخطي إلى شريط الأدوات