“العدم يدق الأبواب”فتحي مهذب / تونس

العدم يقترب كثيرا من ضيعتنا
يقفز مثل كنغر في السافانا
السنة الفائتة
قتل شجرة لوز معمرة
ضربتها صاعقة من إصطبله السماوي


وبرغم موتها التراجيدي
لم تزل تأخذ هيئة صليب
سابلة جناحيها المتفحمين
كل طائر يمر بمحاذاتها
يرسم علامة الصليب في الهواء
ويمضي.


العدم لم يترك أحدا في البيت
ابتلع قارب شاوول الأشقر
في أعماق المحيط
شاوول إبتلعه حوت كبير
لكن ثمة موجة
تشبه سيارة ليموزين
بصفير متقطع
تنعاه بمحاذاة الشط.


العدم
يمنحنا عند الولادة قرصة لاذعة
ليكون زعيقنا أشبه بجراء الفقمة
نادمين على الهبوط الأرعن
يلعق دمنا في القماط
ثم يختفي في الجذور العميقة
متوعدا حياتنا بنقصان فادح.


كنا نتقاسم شطائر الهمبرقر.
نربط روحينا بحبل هواجسنا
نعبر جسر المرئيات
مثل فراشتين من النور الخالص
تذهبين إلى قلبي
تقلعين الأعشاب الضارة
ما خلفه الأصدقاء من أصداف ميتة
أذهب إلى قلبك مثل فارس شركسي
أطرد الشياطين التي تتربص بنا
الغراب الذي يلتهم سماءك المغمى عليها
كنا نمتطي الباص ونصعد إلى المستقبل
يتبعنا مطر من الموسيقى
تتبعنا كلماتنا المضيئة
مثل جواري توت عنخ أمون
والهواء كاهن يبارك صلواتنا
من شرفتها الكنسية
تطل العذراء مطوقة بمترين من الفراشات المتلامعة
لا نتكلم بل نحدق كالمجانين
في أرجوحة النهار
وعلى غرة
ونحن في قلب التجربة
هاجمنا العدم كقاطع طريق.
أنت ذهبت إلى المقبرة
وأنا ذهبت إلى وادي الملوك.
بحثا عن* كتاب الأموات*.


سأقتل برصاصة
أو بشظية قناص
أو ستدهسني عربة نقل الأموات
وأنا مستلق على سريري
أفكر في شراء إلاه طيب
من كاهن ثري
ليساعدني في رأب شقوق الميتافيزيق.
في الحرب التي أخوضها كل يوم
بكيس مليء بفواكه اللامعنى.
سأقتل بحبل مشنقة
في قاع النص
أو بضربة حمى
بين نهدين ثرثارين
يغردان بمنتهى العذوبة
سأقتل عمدا أو سهوا
في الهجرة
أو في حانة مليئة بالأرامل
أو في برج مائل يدفعه فهد
إلى التهلكة.
سيكون العدم شقيقي الأكبر
سيمنحني وساما ذهبيا
ثم يشيعني إلى العالم الآخر
بدم بارد.


تعبنا كثيرا
الدم يشرشر من أقدامنا
الحرب عجوز شريرة
لا تنام أبدا
تذهب إلى المبغى
لتقتل النهار الأشيب بعضة أفعى المامبا
تفرغ خراءها في جيوب القادة
يذهب الجنود إلى النسيان
والبيوت إلى الرماد
تعبنا كثيرا
الحرب
العجوز الشريرة
كانت صديقة نادرة جدا
لكلاب العدم.


حينما نتحول إلى عدم
ستتبعنا الأشياء بخطى متماسكة
لتنال وجبتها من الوليمة
سيبقى العدم وحده في المنفى
مالئا دورقه المثقوب بحجج هشة.


رأيت الوجود والعدم
يتحاوران بالإشارة
فوق الجسر .

عن أحمد الشيخاوي

شاهد أيضاً

قيم ” التسامح ” و” التعايش ” في الشعر العربي

د.حسن بوعجب| المغرب             لقد اضطلع الشعر منذ القدم بدور تهذيب النفوس وتنمية القيم الإيجابية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التخطي إلى شريط الأدوات