لطالما كانت اللغة العربية لغة الفصاحة الأدبية، والموسيقى الإيقاعية، والبيانات العلمية، خلال فترة مجد العرب، التي ليست عن الآن ببعيدة تلك المرحلة، التي انتهت مع سقوط الخلافة العثمانية وسقوط العرب، واختلال كفة المسلمين معها مذ ذاك الوقت، فقد كانت اللغة لها قيمة ومنزلة عظيمة في نفوس أهلها، وفي أذهان الطلاب الغربيين الذين يرون مجد الخضارة العربية وأوجها، وإذا ما قمنا بدراسة مسار العربية خلال الفترة ما بين القرن التاسع عشر والعشرين، سنجد أنها انحدرت إلى أدنى مستوياتها مواكبة بذلك انحدار أهلها وتخلفهم في تلك الفترة من الزمن.
ومع مرور الوقت أضحت العربية منبوذة في الدول التي قامت على هذه اللغة، وأقام عمرانها العرب أنفسهم، وسنذكر إسبانيا مثالا على ذلك، هذه الدولة التي تقام فيها حفلات تمجد طرد العرب والمسلمين منها، علما أن هؤلاء العرب عبر إسبانيا، أخرجوا أوربا من ظلمات العصور الوسطى، وأقاموا حضارة الأندلس التي لم يحدث أن أقيم مثلها في التاريخ، والتي سقطت على أيدي شرذمة من أهلها، وانتهى بها المطاف إلى خاتمة دموية، ذبح فيها العرب والمسلمون بأوامر من الحاكم فرناندو وإيزابيلا، فذبح مليون، وطرد مليون آخر، والمليون الثالث نصر بحكم محاكم التفتيش.
وقد كانت الأندلس تتضمن خزانات من الكتب العربية التي تتطرق إلى جميع العلوم والفنون، والتي كان من الممكن أن تكون رصيدا استراتيجيا لانطلاقتنا الفكرية والحضارية، ماذا حدث؟ أحرقت الكتب أغلبها، وكأنه انتقام من هذه العربية التي غزتهم، وانتقام من أناس أقاموا أعظم حضارة في ذلك الزمن على وجه الأرض، ونفس الشيء قام به الزحف المغولي في مكتبات العراق.
لماذا هذه الحرب ضد العربية؟؟ أهي خطيرة على استقرار الدول إلى هذه الدرجة؟؟ألا يمكن اعتبارها لغة ككل اللغات الأخرى؟؟أم لأن ارتباطها الوثيق بالدين يدفع بالبعض إلى نبذها والتقليص من حقها؟؟
إن الملاحظ في السنوات الأخيرة هو محاربة أهل العربية لها، في تحول جذري وغريب جدا للعلاقة بين العرب ولغتهم التي تحوي ثقافتهم وهويتهم، فنجد سيطرة اللهجات في الحديث اليومي، واعتماد اللغات الأجنبية في التدريس، ومنواقع تجربتي البسيطة في التدريس، رأيت أغلب من يدرس اللغة العربية، يوظف الدارجة، وكأن اللغة العربية عاجزة وقاصرة عن التعبير عن الأفكار والمفاهيم والقيم، وهذا ما دفع مسؤولين لهم وزنهم في الساحة السياسية إلى الدعوة إلى “تدريج التعليم”، ونفي اللغة العربية التي لم تعد تنفع و ولم تعد توكب العصر الحديث، والعولمة.
إن سيطرة اللغة الإنجليزية والصينية واليابانية والفرنسية…جاءت من سيطرة الدول الناطقة بها سياسيا واقتصاديا وعلميا وأدبيا، واللغة العربية في أعين أهلها جلمود صخر حطه السيل من عل، أطلال كالتي يتذكرها الشعراء و يرثون حالها في ما مضى من الأزمان.
وتبقى اللغة العربية تتخبط بين ماضي ذهبي، واوقع متأزم، ومستقبل مجهول العوالم.
- مروان مودنان
- من مواليد سنة 1990م بالدار البيضاء.
- مهتم بعلوم اللغة والتراث والمسرح والشعر.
- حاصل على الإجازة في اللغة العربية وآدابها.
- حاصل على الإجازة المهنية في الدراسات المسرحية.
- له بحوث وديوان تنتظر النشر في القريب العاجل إنشاء الله.