عند حديثنا عن مكونات الثقافة المغربية دائما نستحضر الثقافة العربية الإسلامية، الثقافة الأمازيغية، الانفتاح على الفرانكفونية، المكون اليهودي، البعد الأندلسي، الأدب المغربي المكتوب بالإسبانية… لكن ماذا عن العمق الإفريقي لثقافتنا المغربية؟ لماذا لا نقدم أنفسنا كأفارقة أيضا؟ خصوصا أن القارة الإفريقية هي الفضاء الطبيعي الذي ينتمي إليه المغرب، وهو الفضاء الذي يُحدّد هويته جغرافيا وإنسانيا وثقافيا. إضافة إلى وجود تقاطعات بين المغرب وإفريقيا في مختلف المجالات سياسيا، اقتصاديا، ثقافيا، …
لتوضيح ذلك اخترت الكتابة في موضوع الأدب الإفريقي باعتبار الإقبال عليه لا زال محتشما بالرغم من احتوائه على العديد من الأعمال المتنوعة بلغاتٍ مختلفة. وقد عرفت الأعمال الأدبية لهذا الأدب من شعر ومسرحيات، وروايات وقصص قصيرة ازدهارا وتطورا كبيرين، وأصبحت من الأعمال الأدبية الشائعة في إفريقيا. كما ساهم تنوع لغات الأدب الإفريقي في تقديم أعمال حازت على جوائز عديدة في مجالات مختلفة.
1-مفهوم الأدب الإفريقي:
“هناك إجماع عام بين جمهور المستفرقين على أن “الأدب الإفريقي” مصطلح يعني أدب المناطق التالية جنوباً للصحراء الكبرى حتى التقاء القارة بالمحيط في أقصى الجنوب. وقد نشأ هذا الإجماع من إجماع سابق عند المستفرقين أيضا على أن إفريقيا قارة تقسمها الصحراء الكبرى إلى قسمين مختلفين كل الاختلاف: قسم يقع شمالها ويسمونه “إفريقيا العربية الإسلامية”، وآخر يقع جنوبها ويسمونه “إفريقيا جنوب الصحراء” 1
ومن الواضح أن هذا التعريف هو جغرافي محض، وضع في ظل ظروف معينة، ولخدمة أغراض فئة معينة، هي المستعمر الأجنبي عملا بمقولة فرِّق تسود.
“ومن الغريب أن هذا الإجماع الاستفراقي على مصطلح غير دقيق جر وراءه إجماعاً آخر إفريقيا. فقد أخذ جمهور الدارسين الإفريقيين بهذا المصطلح وتداولوه، حتى صار من مسلمات البحث في الأدب الإفريقي.” 2
والأدب الإفريقي كما حدده الدكتور جوريس سيلينكس أستاذ الأدب الإفريقي بجامعة كارينجي ميلون بالولايات المتحدة الأمريكية هو الإنتاج الأدبي للشعوب الواقعة جنوب الصحراء الإفريقية الكبرى، والذي بدأ زمنيا مع عهد الاستعمار الأوروبي للقارة.
وهو أدب يتشرب من الميثولوجيا، والبيئة، والعادات، والتقاليد، والدين، والخرافات والأساطير، هذه العوامل جميعها تصب دائما في كل أجناس الأدب الإفريقي بصورة أو بأخرى، وهي دائما ما تكون محفزا على جمع وتنسيق الموروث داخل أنسجة الإبداع أي كان شكله أو صورته.
عندما نتحدث عن الأدب الإفريقي نتحدث عن: “الشعر، والمسرحية، والرواية والقصة القصيرة، والسيرة. وهذه الأنواع الخمسة… هي أهم أنواع الأدب في إفريقيا خارج مجال العربية، وأبرزها في آن واحد.” 3
كل هذه الأجناس الأدبية تحمل تقاطعات بين الأدبين المغربي والإفريقي، لكن نظرا لشساعة الموضوع وتشعبه، اقتصرنا على دراسة هذا التقاطع من خلال الرواية، باعتبارها أكثر فنون الأدب شيوعا، وتعكس المراحل الأكثر أهمية في حياة الشعوب.
2-تقاطعات الأدب المغربي الإفريقي الرواية نموذجا:
ظهرت الرواية في الأدب الإفريقي كجنس أدبي عن طريق الاحتكاك المباشر بالثقافة الأوربية مع الاستعمار الأجنبي. كما حدث مع العرب في شمال القارة، وإن كان الأفارقة والعرب قد أضفوا عليها خصوصية ثقافاتهم المحلية ومهارة مواهبهم. قبل ذلك كانت المشافهة وسيلة الاتصال الرئيسة في الحضارة الإفريقية القديمة، وكانت الأخبار والأساطير والأشعار تنتقل من قبيلة إلى أخرى، ومن جيل إلى جيل عن طريق الرواية الشفوية.
أ -إشكالية اللغة الروائية في الأدبين:
إن تجربة الرواية المغربية، كما هو الحال بالنسبة للرواية الإفريقية، كلتاهما عايشتا إشكالية وواقع التعدد اللغوي المتمثل في كتابة الرواية المغربية بالفرنسية أو الإسبانية، بالخصوص، كما هو الحال في الكتابة الروائية الإفريقية باللغة الانجليزية، الفرنسية والبرتغالية.
وقد شكلت اللغة إحدى المسائل المثيرة للجدل في أوساط النقاد والأدباء المغاربة والأفارقة على حد سواء. ففي خضم أزمة البحث عن الهوية الثقافية الإفريقية، برز خلاف حاد حول موقع اللغات الأجنبية التي جاء بها الاستعمار بشكل عام. وانقسم أطراف الخلاف إلى قسمين: قسم يرى أن اللغة الأجنبية فرضت فرضًا على البلاد المستعمرة، وأنه من مصلحة الكاتب المغربي وكذا الإفريقي الاستفادة منها لإيصال أدبه إلى العالم بسهولة. أما القسم الآخر، منطلقًا من سردية قومية معادية للاستعمار وكل ما نجم عنه من مظاهر، فيرى أن اللغات الأجنبية، لا يمكن أن تكون لغة إفريقية بحال من الأحوال، وأن التحرر الحقيقي لا يمكن أن يتم بدون إعادة إحياء اللغات الإفريقية الأصيلة والاعتزاز بها.
ب: بعض تيمات التقاطع الأدبي المغربي والإفريقي:
يعرف الأدب الإفريقي والمغربي مجموعة من التشابهات والتقاطعات، وذلك بحسب الموقع الجغرافي والظروف الاقتصادية والسياسة والاجتماعية. تتحقق هذه التقاطعات من خلال عدة تيمات مثل: صورة المرأة، التصورات الدينية، محنة الاستعمار، علاقة الأنا بالأخر، سؤال الهوية…
كما أن العديد من قضايا المرأة الإفريقية تتقاطع مع قضايا عالجها الأدب المغربي، فالكتابات الإفريقية تدعوا إلى تغيير الصورة النمطية التي رسختها المرجعيات الكولونيالية عن المرأة الإفريقية عن طريق الكتابة، باعتبارها متنفسا للتعبير عن هذا التناقض ونقده من الداخل وترسيخ قيم الحرية والتحرر.
- تيمة المرأة:
في هذا الصدد نقترح مثالين لكاتبتين تألقتا في هذا النوع من الكتابة الروائية هما: المغربية فاطمة المرنيسي عبر كتابها “أحلام نساء الحريم” والروائية الكاميرونية دجايلي أمادو أمل عبر كتابها “والااندي، فن تقاسم الزوج”. فكلتا الروائيتين من جيل النساء، اللواتي عشن في عالم فرض حدودا لرقابة صارمة على المرأة.
كلتا الروائيتين تنقل هواجس وهموم المرأة في المجتمعات التقليدية، تلك المجتمعات المحكومة بنسق متماثل من القيم التي تستند في تصوراتها إلى مرجعيات عقائدية أو عرقية ضيقة، والتي تتحكم بها روابط عشائرية أو مذهبية، والتي لم تفلح في صوغ تصورات كلية عن حاضرها، فلجأت إلى الماضي في نوع من الانكفاء الذي تفسره باعتباره تمسكا بالأصالة.
فاطمة المرنيسي من خلال روايتها تعالج مجموعة من القضايا والمشكلات، تستعيد ذكريات الطفولة التي عاشتها في سنوات الأربعينات في بيت مغربي تقليدي بمدينة فاس، ضمّ عددا كبيرا من النساء، وداخل أسواره تقيم النساء عالمهن الذي يشكل فيه الحلم والخيال دورا مهما.” كانت بوابة الدخول إلى منزلنا “حْدَدَا” حدّا حقيقيا، وخاضعا للرقابة على قدر ما تخضع لها بقية الحدود في عرباوة. كنا بحاجة إلى إذن للدخول والخروج، وكان مفروضا على كلِّ انتقال أن يكون مبررا. وفقط بغية الوصول إلى البوّابة، كان الأمر يقتضي التقيّد بمرسوم (بروتوكول) خاص.”4
وتضيف الكاتبة على لسان ياسمينة إحدى حبيسات الحريم: ” إن الحريم شقيق للشقاء؛ إذ تضطر المرأة لمشاركة نساء عديدات في زوجها. لقد كانت ياسمينة مجبرة على مشاركة ثماني زوجات في جدّي؛ وهذا يعني أنها مضطرة للنوم وحدها ثماني ليالٍ…”5
وتأتي كذلك رواية دجايلي أمادو أمل لترسم نفس الصورة وتسلط الضوء على واقع المرأة في إفريقيا، وفي الكاميرون تحديدا، من خلال قصص مجموعة من النساء يتقاسمن نفس المنزل، هنّ “سكينة” و”نفيسة” و”دجايلي” و”أييستو”، استطاع التاجر الثري “الحاج عمرو” امتلاكهن تحت شرعية مؤسسة الزواج. وفي أسلوب مشوق وتقنية تعدد الأصوات تروي كل زوجة قصة سقوطها في فخ تعدد الزوجات.
ف “الوالااندي” في الرواية هي الليلة التي يقضيها الزوج مع إحدى زوجاته، وهذه الليلة خلقت إيقاعا خاصا للزوجة التي تعيش في مجتمع الحريم في ظل تعدد الزوجات، كما أن الوالااندي يجعل المرأة تعيش حالة نفسية عنوانها الخوف واللاستقرار، في ظل الانتظار وأداء الواجب. فالمرأة داخل هذا العالم الذكوري الخالص تعمل بكل طاقاتها النفسية والجسدية لإسعاد الزوج، رغم ما يمارس في حقها من تعسف وهضم لأبسط الحقوق.
اختصرت الروائية حياة المرأة الكاميرونية في كلمة الانتظار، هذه الكلمة التي تختصر مسلسل حياتها. ” الانتظار! إن كان من كلمة يمكنها وحدها أن تختصر حياتها فهي الانتظار. أمضت حياتها تنتظر. انتظرت أن تكبر، انتظرت أن تتزوج، انتظرت دورها لرؤية زوجها، انتظرت حتى تستطيع الرد، انتظرت حتى يتغير، انتظرت أن تبلغ حدوده، انتظرت أن تكبر بناتها، انتظرت كي تذهب، انتظرت كي تعيش، انتظرت أن تموت.”6
حشدت الروائية دجايلي أمادو في شخصية الحاج عمر كل مظاهر الذكورية، فبدا زوجا ظالما وقاسيا وعنيفا ومستبدا برأيه، وقد وصل به الأمر حتى إجبار بناته على الزواج برجال لا يرغبن فيهم، مما أدى بإحداهن إلى الانتحار.
كلتا الروايتين تصور لنا فضاء أشبه بالثكنة العسكرية، بيت كبير بغرف متعددة في كل غرفة سيدة تحمل نفس الهوية، التي هي كونها واحدة من زوجات صاحب البيت.
تيمة الهجرة:
فيما يتعلق بموضوع الهجرة، وعلاقة الذات بالآخر، يمكن أن نستحضر رواية “المرأة والوردة” لمحمد الزفزاف و”موسم الهجرة إلى الشمال” للطيب صالح.
كلتا الروايتين تعالج موضوع الهجرة إلى الغرب وبحث الشاب العربي الإفريقي عن التحرر والانعتاق من قيود الدين والأعراف والتقاليد، فقد اتخذ كل من محمد الزفزاف والطيب صالح الغرب صورة للإشباع الجنسي وتحقيق الأحلام، الشيء الذي لم يكن ليتحقق على أرض الواقع.
فمن خلال “المرأة والوردة” يصور لنا الكاتب تجربة محمد الشاب الذي سحقه الفقر، لذلك هاجر إلى إسبانيا، معتقدا أن الهجرة إلى أوروبا هي الخلاص من حياة الفقر. لكن رغم ذلك يحس باللاستقرار والغربة.
من خلال تأمل النص الروائي “موسم الهجرة إلى الشمال” نجد أن هناك علاقة متشابكة بين الغرب والشرق تجمع بين الانبهار والتعلم والتشارك والعنف والجريمة. وهناك ملامح لهوية تبدو وكأنها في طور تَشَكّل ولم يظهر لها خصائص واضحة، وقد مرت هذه العلاقة بأطوار مختلفة، ويمكننا القول إن العلاقة بين الشرق والغرب متمثلة في الرواية في علاقة سعيد بجين مورس، علاقة العشق والاضطراب والعنف التي تجمع أقصى المتناقضات في ذات اللحظة، الاحتقار والاعتداد بالذات، الكراهية والمحبة والموت. “فكأننا فلكان في السماء اشتبكا في ساعة نحس”7،فقد وصلت العلاقة إلى حد قوي تمثل في الزواج بينهما، وانتهت بمقتلها.
موضوع الهجرة هنا يتداخل مع موضوع الاستعمار، فزواج مُصطفى سعيد بجين مورس، هو شكل مصغر للاستعمار، لأنه بُني على عقدة المتخلف والمتقدم، الحاكم والمحكوم، فكان الرد على عنف الاستغلال بعنف المقاومة. ” كانت لحظات النشوة نادرة بالفعل، وبقية الوقت نقضيه في حرب ضروس لا هوادة فيها ولا رحمة. كانت الحرب تنتهي بهزيمتي دائما… وأحيانا يستبد بي الغضب حتى أبلغ حافة الجنون والقتل.” 8
وبالرغم من انتهاء تجربة الزواج بينهما بالقتل، وما يشير إليه من صعوبة التلاقي بين الشرق والغرب، والعلاقة الصراعية بينهما، فإنه لا ينكر أن هذه العلاقة حفرت خطوطا عميقة في جدران روح كل من سعيد وجين مورس (الشرق والغرب)؛ فسعيد لم يتخلص من هذه التجربة التي ظلت تسم حياته كتجربة حياتية لا يمكن محوها، فلم يصوّر مقتلها باعتباره انتصارا له وهزيمة للغرب، ولم يُمح أثر الاستعمار الغربي بالقتل، فذكرى جين مورس حاضرة معه، ولمَ اختار سعيد الاختفاء أو الانتحار إن لم يكن لهذه التجربة آثارها الممتدة فيه؟
يبدو أن البطل من خلال هاتين الروايتين إنما يبرز شيئا واحدا، وهو أن الشاب المغربي الإفريقي المهاجر إنما يعيش في أوروبا من أجل إنعاش رغبته الجامحة، متحررا من أغلال الكبت التي تقيده وسط مجتمعه. إنها غواية استكشاف الذات والجسد هواية ظل يخفيها في مجتمع تطوقه مبادئ الدين…
- تيمة الاستعمار:
بخصوص تيمة الاستعمار التي كان المغرب ودول عربية وإفريقية عديدة مسرحا له، كان له الأثر الأكبر فيما يعرف الآن بالأدب الإفريقي المعاصر. في هذا الصدد يمكن أن ندرج روايتين لكاتبين مشهورين في كل من الأدب المغربي والأدب الإفريقي:
الأولى “أشياء تتداعى..” للكاتب النيجيري الشهير «شينوا أشيبي». هي واحدة من أشهر روايات الأدب الإفريقي، ومن أولى الروايات التي تناولت بشكل ملحمي كلاسيكي مأساة الاستعمار الأوروبي، وبناء المجتمعات القبلية قبيل الاستعمار. تسرد الرواية أحداث متداخلة عن البطل الشعبي «أوكونكو» وحياته في مجتمعه قبل قدوم الاستعمار إلى نيجيريا، والأخرى تسرد بطولته ومقاومته لمختلف أشكال التحقير والاستغلال إبان فترة الاستعمار.
الرواية الثانية هي: الريح الشتوية هي رواية مشهورة كتبها الكاتب المغربي مبارك ربيع وتم إصدارها سنة 1977. صُنفت هذه الرواية ضمن أفضل مئة رواية عربية، حيث احتلت المرتبة 47.
تصور هذه الرواية الإنسان المغربي في فترة حرجة وحاسمة من تاريخ المغرب الحديث، وهي فترة الاستعمار؛ إذ تحكي قصة «العربي الحمدوني»، ومن خلاله شريحة كبيرة من المغاربة الذين سلب الحاكم الفرنسي أراضيهم في البادية، الشيء الذي اضطرهم للنزوح إلى مدينة الدار البيضاء، وتكدسوا في أحياء صفيحية مهمشة، أبرزها «الكريان سنطرال». وقد عمل الكاتب في خضم ذلك على كشف الواقع المتردي والمتسم بالجهل، والخرافة، والتخلف، ومخاصمة الذات، والهوية.
” وضغطت ظروف الحرب على البوادي مضافة إلى موسم جفاف متصل، ودأبت سلطة الحماية على سد حاجيات الحرب من التموين والتجنيد. ففقد الفلاحون جل ما يملكون من دواب ودواجن وجبوب من التموين والتجنيد. وعلى هذا النحو اشتدت الهجرة نحو المدن من جديد، وتكاثرت صفوف المتسولين… ولم تزدهر إلا أثمان السوق السوداء، وجثث الموتى والمحتضَرين يحصدهم الموت جماعات، جماعات…” 9
لتظهر بعد ذلك بوادر وعي جماعي، ثم عمل وطني منظم ونقابات عمالية موازية له. وبذلك أصبح «الكريان سنطرال» مصدر قلق لسلطات الاحتلال التي وجهت نداء إلى السكان بالإفراغ، لكنهم رفضوا، فأقدمت على إحراق الكريان، لكن ذلك لم يزِد الناس إلا إصرارا. وهكذا انطلقت مواجهة مفتوحة بينهم وبين المستعمر مخلفة قتلى وجرحى ومعتقلين، وانتهت أحداث الرواية على هذا الخط الصراعي المفتوح.
“سرت الحركة الوطنية في عروق الناس، وكأن هؤلاء النازحين يعوِّضون بما تقدمه لهم من طموح كبير، عن مطامحهم الصغيرة التي لم يَبْدُ أنها ستتحقّق يوما في استرداد أراضيهم أو العودة إلى قراهم عودة شريفة، أم أنهم وعوا أن استرداد هذه الأراضي الصغيرة، لا يتم إلا باسترداد الأرض الكبيرة: الوطن؟” 10
لقد قام الطيب صالح ومبارك ربيع باستخدام الرواية كقالب أدبي لنقد التجربة الاستعمارية، رغم أن الرواية ذاتها تُعدّ نتاجا غربيا، فالرواية والاستعمار -بحسب إدوارد سعيد- حصّن بعضهما البعض، كما عززت الرواية شرعية الاستعمار الغربي لدول العالم الثالث.11
إن الارتباط الثقافي والديني بين المغرب وباقي دول أفريقيا وخصوصا لإفريقيا الجنوبية كان وثيقا وما يزال، وتجليات هذا الارتباط متعددة من خلال الكثير من العادات والمواسم والتقاليد في الزواج والمناسبات متشابهة.
من خلال النماذج التي سبق تقديمها في هذا العرض للرواية الافريقية، يتبين أن هذه الرواية فتحت مسارات إنسانية كبيرة وأرسلت إشارات عديدة للمجتمعات المحلية والاقليمية والدولية عن التراث، العادات والتقاليد –والتي تستمد الذكورية منها سلطتها- الروح الوطنية (مناهضة الاستعمار).
لكن السؤال المحوري والأساسي الذي يمكن أن يطرح: ما سبب خفوت المشهد الروائي الإفريقي عند المتلقي المغربي خاصة، والعربي عامة وذلك رغم كثافة الإنتاج في الرواية الإفريقية وتنوع اللغة التي كتبت بها؟ علما أن الرواية الإفريقية كتبت بعدة لغات وخاصة الفرنسية والإنجليزية، بالإضافة إلى اللغات المحلية كالسواحلية.
ويرجع المختصين والنقاد ذلك إلى عدة أسباب:
- الحاجز الذي تشكله اللغات الإفريقية المحلية.
- اتجاه المتلقي المغربي إلى الأدب الفرنسي أو الإنجليزي لتمثل سائد بأن القارة الإفريقية قارة غارقة في التخلف.
- ما تشكله التبعية الثقافية وخصوصا اللغوية التي ما زالت غالبية دول إفريقيا تعيشها وما يشكله ذلك من صراع بين لغات المستعمر.
- الصراع بين المثقف والسلطة الذي أفرز أدوات رقابة ومَنع الشيء الذي كبح انتشار الرواية الإفريقية.
كل هذه العوامل وغيرها لا تسمح لنا بالانفتاح على جذورنا الإفريقية. لذا يجب بذل مزيد من الجهود من أجل تحقيق الانفتاح المنشود، ليس فقط اقتصاديا أو سياسيا وهذا ما ينحو إليه المغرب مؤخرا وإنما أيضا يجب الانفتاح على الأدب الإفريقي على اعتبار أن مشاكلنا الاجتماعية مشتركة، وأن مثقفينا أو ما سماه كرامشي بالمثقف العضوي يكون في طليعة المدافعين عن قضايا وهموم الشعب. لذا يجب على المثقفين المغاربة الانفتاح على المثقف والروائي الافريقي باعتباره مدافعا عن قضايا شعوبنا، وقضايا القارة بشكل عام.
الهوامش
- 1. شلش (علي)، الأدب الأفريقي، عالم المعرفة، العدد 171، مارس 1993، ص: 11
- المرجع نفسه، ص:12.
- المرجع نفسه، ص ص: 6-7.
- المرنيسي (فاطمة)، أحلام النساء الحريم، ترجمة ميساء سرّي، الطبعة الأولى 1997، دار ورد للطباعة والنشر والتوزيع، سوريا-دمشق، ص:35
- المرجع نفسه، ص: 49.
- امادوامل (دجايلي)، “والااندي فن تقاسم الزوج”، دار الفارابي ومؤسسة الانتشار العربي ط1، 2013، ص:14.
- الطيب (صالح)، موسم الهجرة إلى الشمال، الطبعة الثالثة عشر، دار العودة بيروت، 1981، ص: 165.
- المرجع نفسه، ص: 163.
- مبارك (ربيع)، الريح الشتوية، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، الطبعة الثالثة 1996، ص: 156.
- المرجع نفسه، ص: 266.
- ادوارد (سعيد)، الثقافة والامبريالية، دار الآداب، 2004، ص: 18.