“روت لي حكايتها”.. قيم نبيلة وسط عراء يحاصر الإنسان

عمّان –

تقدّم د. سوزان خلقي في روايتها “روت لي حكايتها” عالمـًا يقف فيه الإنسان أعزل أمام قدره الذي يجبره على الانصياع، فلا يملك أمامه إلا أن يخوض الصراعات مسلحا بالصبر، ومحافظًا على قِيَمه الإنسانية النبيلة.

وجاءت الرواية الصادرة عن “الآن ناشرون وموزعون” في عمّان في 134 صفحة من القطع المتوسط، وخرجت فيها الكاتبة  على إطار النهايات التقليدية، لكنها وجَّهَت أنظار القارئ في الوقت نفسه إلى ما يجعله يشعر بالاطمئنان، ويبثُّ فيه الحنين إلى دفء العائلة، وإلى قيمة الأنثى حين تلمُّ شتات الجميع.

وجاء على الغلاف الداخلي للرواية أنها: “تجعل أولئك الذين يتألمون بصمت، ويقدّمون التضحيات دون انتظار ثناء من أحد، جزءا من حياتنا، وتلك واحدة من مهمات الأدب المقدسة في كل زمان ومكان”.

وتدور حبكة الرواية التي جاءت مليئة بالتشويق حاثة القارئ على طي الصفحات بحثا عن تطورات الأحداث، حول البطلة “منال” التي تجد نفسها مسؤولة عن تربية طفلي أخيها بعد أن اختفت أمهما بشكل غامض وتوفي أبوهما في حادث غير متوقع  وذلك ما غيّر مسار حياة العائلة بأكملها. وتضطر منال إلى تقديم نفسها قربانا لبقاء هذه العائلة التي تشمل كذلك أخًا آخر يشارك منال الانصياع لتصاريف القدر، فتتخلى عن أحلامها، وعن حب حياتها، في سبيل واجبها الإنساني الذي فرضته عليها الأقدار.

وتصف الرواية معاناة منال أثناء تطور الأحداث: «تضاءلت أحلام منال بالغد وأحسَّت بالتعب، فكلما تخطت عبئاً هجم ليعتلي كتفيها «ثلاثة غيره».. طفلان مع أبيهما الذي كان وضعه يزداد سوءًا وطباعه تزداد حدة، ونتيجة لهذا فَقَدَ وظيفته بعد أن انفجر في وجه أحد العملاء، وبعدها اعتكف في غرفته، ينام فيها نهارًا ويسهر ليلًا، باكيًا مرة ومزمجرًا يلعن الحظ والزواج والنساء مرات ومرات».

وتشير إلى ما كان ينتابها من خواطر: «وبعد نوم الطفلين يضجُّ صدر منال حين يأتيها صوت محمود رائقًا: «أنا أنتظرك».  وتهمس لنفسها: «ليتني أقدر، هلا بقيت أكثر، هلا صبرت علي يا حبيبي الهادئ الجميل»، وتراه بعين الخيال يصحو شاعرا بيدها الحانية تمسح جبينه المعقود دوما ليجيبها مطمئنًا: سأنتظرك يا حلوة العينين».

ويحضر المكان خلال المفاصل الأحداث جميعها، فتشير الرواية إلى مدينة إربد الأردنية (أرابيلا) بوصفها مسرح الأحداث: «كانت هناك مدينة قديمة كما الحياة، حيث السماء تعانق الأبواب، ويرفرف الحمام من ألف عام وعام، ممتدة خضراء.. ربيبة المطر، هناك مات الحب، وهناك وُلد الحب.. في أرابيلا».

وتظهر تفاصيل هذا المكان منذ بداية الرواية، فتصف الكاتبة البيت الذي تقع فيه الأحداث، وحديقته، وطبيعة الأشجار والنباتات التي تتمو هناك. ولا يفوتها أن تشير إلى معالم المدينة المعروفة، فتدمج القارئ في عالم الرواية المكاني كما لو أنه أحد أبطالها.

ويمتاز المكان كذلك بامتزاجه مع إنسانه وهو ما يظهر في إهداء الرواية الذي تقول فيه الكاتبة: «إلى أماكن غادرناها ولم تغادرنا.. إلى أيام عبرناها نجري ونعرف الآن أنها الأثمن.. إلى الحكايات المختبئة فينا.. وإلى مَن نحبّهم بغير تكلّف، وبغير شروط، وبغير توقيت».

ومن الجدير ذكره أن سوزان حسان خلقي الشرايري وُلدت في القاهرة لأب أردنيٍّ وأم مصرية. ونشأت في مدينة إربد في شمال الأردن، وفيها أكملت دراستها الثانوية، ثم حصلت على شهادة البكالوريوس والاختصاص العالي في الطب.. تخصص النسائية وجراحتها، من جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية. وهي تكتب في مجالات عدة، من بينها إضافة إلى الرواية: الشعر والمقالة والقصة القصيرة. و”روت لي حكايتها” هي الإصدار الأول لها.

عن أحمد الشيخاوي

شاهد أيضاً

قيم ” التسامح ” و” التعايش ” في الشعر العربي

د.حسن بوعجب| المغرب             لقد اضطلع الشعر منذ القدم بدور تهذيب النفوس وتنمية القيم الإيجابية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التخطي إلى شريط الأدوات