حسن لمين
تمهيد
الكتابة هي عملية فكرية وإبداعية تمتد جذورها في عمق الوجود الإنساني. من خلالها يتمكن الأفراد من التعبير عن مشاعرهم وأفكارهم وقضاياهم الشخصية والعامة. في الوقت ذاته، تحمل الكتابة القدرة على إحداث تغيير جذري في المجتمع من خلال نقل الأفكار والخبرات بين الأجيال. سؤال “لماذا أكتب؟” ليس مجرد استفسار عن الحافز الشخصي، بل هو نافذة على دوافع أعمق تتعلق بالهويةوالمجتمع والحقيقة.
1- الكتابة وسيلة للتعبير عن الذات
تعد الكتابة وسيلة لتحرير النفس من عبء المشاعر المكبوتة والتجارب المعاشة. من خلالها يستطيع الكاتب أن يحول تجربته الذاتية إلى نص يمكن للآخرين أن يقرأوه ويتفاعلوا معه. فالكاتب يعبر عن أحلامه و آماله وخيباته عبر الكلمات، فتتحول الكتابة إلى مرآة تعكس أعماق النفس. فكما قال جورج أورويل: “الكتابة ليست إخبار الناس بما لا يعرفون، بل اكتشاف ما نعرفه جميعًا بطريقة جديدة.” ( صحافي وروائي بريطاني).
2- الكتابة أداة لتغيير الواقع
منذ القدم، كانت الكتابة وسيلة لتغيير المجتمعات. على مر العصور، استخدمت الأقلام للثورة ضد الظلم والفساد، وتحقيق العدالة والمساواة. فالكتابة تحمل القدرة على التأثير، والتحريض على الفعل. من خلال النصوص الأدبية، والمقالات، والنقد الاجتماعي، يستطيع الكاتب أن يسهم في توجيه المجتمع نحو التفكير النقدي وتبني القضايا العادلة. والأمثلة كثيرة؛ من الأدب الثوري الذي كان له دور محوري في التغيير الاجتماعي والسياسي، إلى الكتابات الفكرية التي كانت الدافع وراء النهضة الفكرية والحضارية في فترات متعددة من التاريخ.
3– الكتابة وسيلة لحفظ التاريخ والذاكرة الجمعية
تعتبر الكتابة إحدى أهم وسائل الحفاظ على التراث الإنساني. من خلالها تُسجَّل الأحداث، التجارب، والأفكار التي شكلت مسار الإنسانية. الكتابة ليست مجرد تسجيل للتاريخ بل هي جزء من تكوينه. فالكاتب، سواء أكان مؤرخًا أم روائيًا، يسهم في تشكيل الذاكرة الجماعية للشعوب. عبر السرد الأدبي أو الكتابة التوثيقية، يتمكن الكاتب من إيصال تجارب فردية وجماعية للأجيال القادمة، مما يحافظ على استمرارية التواصل بين الماضي والحاضر والمستقبل.
4- الكتابة عملية اكتشاف للذات والوجود
الكتابة ليست مجرد وسيلة للتواصل مع الآخرين، بل هي رحلة لاكتشاف الذات وفهم العالم. الكاتب يتأمل في الأسئلة الوجودية الكبرى مثل المعنى والهدف من الحياة من خلال النص. في هذه العملية، قد يجد الكاتب إجابات جديدة أو يطرح أسئلة جديدة تثير مزيدًا من البحث والتفكير. الكتابة تمنح الكاتب الفرصة للتفاعل مع أفكاره الخاصة ومراجعتها، مما يؤدي في نهاية المطاف إلى تطوير شخصيته وتعميق فهمه للعالم من حوله.
في سبيل الختام
وصفوة القول إن الكتابة هي أكثر من مجرد نشاط إبداعي أو وسيلة للتعبير الشخصي. إنها قوة فاعلة في حياة الأفراد والمجتمعات. الكاتب يكتب لأسباب عديدة: لتحرير ذاته، للتأثير على العالم، لحفظ الذاكرة، وللإجابة على تساؤلاته حول الوجود. وفي نهاية المطاف، الكتابة تظل جسرًا يربط بين الأفراد والمجتمعات عبر الزمان والمكان، وتبقى وسيلة فعالة لتحقيق التواصل الإنساني العميق.