“محمد الطوبى بين الحب والوطن” محمد الرحالي/ المغرب

ذكرى شاعر

محمد الطوبي الشاعر الولوع بالحب والوطن، رحل وبقي شعره شاهدا على شاعر متفرد في حب الوطن، فقد شكل حضور الذات الشاعرة لديه تماهيا بين المحبة والذات والوطن الذي شكل امتداد حب الذات الشاعرة لكل ما يربطها بهذا الوطن الذي ليس مجرد حفنة تراب؛ بل هو الامتداد الأبقى لطفولة عاشها ماردة، وامتدادا لحب طويل ربطه بهذا الوطن الذي هو امتداد في الروح لحب قديم طويل، رحل الطوبي ولم يرحل شاعر عظيم خيم الحب والوطن في شعره قائلا:

” أنا أحببتكم
الحب لا يزال ممكنا
لم تنطفئ ذؤاباته في الروح بعد.
لكن فليكن أنه لن يؤرقكم أكثر،
كم لا أريد أن أحزنكم بأشيائي”[1].

الشاعر المغربي الراحل محمد الطوبي

فهو مؤمن أن الحب امتداد الروح، وشعلة تتوهج وما يزال ممكنا في زمن الخداع والنفاق، لكن العشق أراده شاعرنا أبديا لا يؤرق روح الآخرين فلا يحزنهم ولا يوجع ذاكرتهم، يقول :

“إن غوى وطني المستحيل غويت مشيت
الذي شاء لي عاليا في ضواحي الهوى
عندليب جروحي”
  …
لعينين عاشقتين تجلت بلادي
مرايا تجلت على أرجوان الحنين” [2].

حب يصنع امتداد الوطن حلما أرجوانيا لا شك زرع  في روح الشاعر الوطن المتجلي في هواه وعشقه، فيفعل شاعرنا المستحيل ليكون هذا الوطن خرافة وواقعا في الآن نفسه، ومحبة من الذات الشاعرة التي ترى الوطن عندليبا يصدح فينفذ بلسما للروح، يشفي الجروح. أما الروح ففي العينين تظهر عاشقة لهذا الوطن امتدادا للغواية التي أفقدت الذات الشاعرة إحساسها أمام هاجس الوطن وحبه .

كما يقول شاعرنا :

مدن لا تزين إلا لسياحها كالبغايا التزاما
ولا تفتح الباب لله والحب أو مدن
تنجب الشوك والكسرة المخزية
مدن تحبس الأفق في الأقبية”[3].

       ولعل الحب في هذا المقطع قد صار حلما مجنحا يرسم في المدينة معالم الاغتراب لا شك يخلق فضاء لتحاور الذات مع المدينة التي يحس فيها الاغتراب والحنين لأمسها بعدما تزينت فقط للسياح مشبها إياها سلبا كأنها انكسار للإنسانية في امتدادها لكسرة مخزية، وشوك كان يريده محمد الطوبي وردا وحياة ، يقول أيضا :

وطني لوعة النهار
وطني خصر شمس بتول
وطني صرخة الدم في صباح قتول
وطني وردة الشهداء”[4].

       فالوطن هو امتداد الذات الشاعرة والحالمة، وامتداد الطبيعة الجميلة الساحرة، وهو الشهيد لأن أبناءه يضحون لأجله في سبيل عزته وكرامته وحياته الباقية في زمن جميل، في صباح قتول قد يكون رمزا لمواجهة الأعداء ووقوفا للذات الشاعرة المحبة للوطن الذي لن يكون سوى امتدادا لها في الحياة والوجود،فرغم المعاناة والمصائب يستمر الشاعر حضورا وتجليا للوطن وحبه .

يقول:

وطني وهج عاشقة أشرعت لأنوثتها
                  شهوات البهاء
وطني زنبق العمر لما تضيء الملاحم
               عرس الخيول
وطني صلوات فواخت سهدها
حلم أندلس جارح من مرايا وجمر
جرح أسطورة وطني”[5].

فالوطن في ذاكرته جرح غائر لما مر به، لكنه يراهأندلسا آخر وهو في مواقف الشدة، حيث وقف الشاعر في هذا المقطع ليؤكد على استمرار المحبة والارتباط العميق بالوطن، والعمر ما هو سوى امتداد للحلم والحياة والمواجهة الفاصلة بين كل هذا وذاك. فالوطن روح ترفرف على الذات الشاعرة، بل وصلوات مقدسة أرادها الطوبي تمردا على الواقع والمكابدات والمعاناة لأجل الظفر بحب هذا الوطن الجارح في وجه العدا الصامد رغم الوهن، رغم أنه الأندلس السليب مجازا، لأن الحب جعل شاعرنا يحن رغم كونه فيه يعيش ويميد بهذا الوطن حين جعله عاشقة تشرع أنوثتها للمجد والجمال والبهاء. هذا هو محمد الطوبي، وهذا هو الحب الذي ربط بين الذات الشاعرة والوطن والحب وجوه عديدة لكلمة واحدة هي حب الوطن في تجلياته المقدسة والذاتية. إنه محمد الطوبي الشاعر المتفرد يصنع من الوطن ملحمة لا تنتهي بتاتا ليسم قصيدته.


[1]محمد الطوبي: غواية الأكاسيا، من قصيدة: “الكسندر بوشكين” البوكيلي للطباعة والنشر والتوزيع ، القنيطرة 2007، ط1، ص 11.

[2] محمد الطوبي، المصدر نفسه،  قصيدة: “وهران الوقت” ص 76.

[3]المصدر السابق،  ص 80.

[4] نفسه ،من قصيدة: “وردة لمقام مغربي” ص 111.

[5]محمد الطوبي،  نفسه: ص 109-110.

عن أحمد الشيخاوي

شاهد أيضاً

“كولاجات قابلة للتأويل” مصطفى بنعزوز ـ المغرب

- عن الشعر - عن مولانا النساج النازف سلسبيلا محمد عيد إبراهيم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التخطي إلى شريط الأدوات