“نافذة على الأدب الأفريقي جنوب الصحراء” عبد الله الزياني/ المغرب

        الأدب الأفريقي، مجموعة من الأشكال التعبيرية، شفاهية كانت أم مكتوبة، والتي عبَّر بها الإنسان الأفريقي جنوب الصحراء عبر قرون إلى اليوم، عن أحوله ومشاعره وحياته ورفضه المستعمر الغربي ..إلخ، بعيدا عن المحلية والتعصب العرقي والجنس واللون، من الجنوب إلى شمال القارة  التي يوجد بها أيضا أدب  يطلق عليه أدب الدول العربية الإسلامية شمال القارة، بتعبير بعض المستشرقين الذين أرخوا لأدب أفريقيا خلال القرن 19 و20 أمثال جيرالد مور المستشرق الألماني، و أزكيال مافاليلي أفريقي من جنوب افريقيا، على أنّ الآداب الأفريقي: هو أدب المناطق الواقعة جنوب الصحراء، متجاوزا بذلك الحدود الجغرافية والتنوعات  الثقافية والعرقية بين سكان القارة والتي تتميز  عن غيرها من قارات  كوكب الأرض؛ بالتنوع العرقي والتعدد الثقافي واللغوي.  ف ” في السنوات الأخيرة فقد احتل الأدب الأفريقي مكانة متميزة في مجالي الدراسات الثقافية وما بعد الكولونيالية؛ جراء ارتباطه بالدفاع عن الهويات الأفريقية وبالمقاومة للتمييز العنصري وللاستعمار القديم والجديد. ولا شك أن مقال جان بول سارتر الموسوم بـ”أورفي الأسود” الذي خص به أنطولوجيا الشعر الزنجي والملغاشي باللغة الفرنسية، والتي أشرف على إعدادها واختيارها الشاعر والرئيس السنغالي الشهير ليوبولد سيدار سنغور في عام 1948 قد لعب دورا مهما في إطلاق عمليات التعريف بالمتن الشعري الأفريقي الغني بمضامينه وأشكاله في معظم بلدان المعمورة “[1] فهذا الأدب لا يقل جمالية وأهمية وتعبيرا عن الواقع،  مثله مثل الأدبي العربي والآسيوي والأوروبي والأمريكي. وقد عَرَّفَهُ أيضا  الكاتب الجنوب إفريقي Mazzssi Konini   مازيسي كونيني بقوله: ” بأنه الأدب الذي يصور واقعا أفريقيا بجميع أبعاده، التي لا تضم ألوان النزاع مع القوى صاحبة السيطرة على القارة وحسب، وإنما تضم أيضا النزاعات داخل القارة الأفريقية فقد ركز على الجنس الزنجي والثقافة الزنجية دون حساب للأجناس والثقافات الأخرى “[2] إلا أن ما أصابه هو التهميش، وعدم التدوين في فترات سابقة، إضافة إلى إستبهار  وإعجاب  أهله بالأدب الغربي والأمريكي عامة، وأدب أمريكا اللاتينية خاصة،  فالأدب الأفريقي الذي نشعر به في دواخلنا ويشعر بنا، إنه جزء منا ونحن جزء منه، داخل قارة تعج بالأساطير والخرافات والأمثال الشعبية والمغامرات.  فلا تجمعنا نحن سكان أفريقية الجغرافية والمناخ والتاريخ فقط، بقدر ما جمعتانا المعاناة والتحرر من قبضة الاستعمار الغربي المتوحش الذي استنزف خيرات أفريقيا الطبيعية، وقتل أبناءها الأبرار. وها هو اليوم يواصل استنزافه للعقول المعرفية والثقافية، حيث يذهب الطلاب الأفارقة المتفوقين لإتمام دراستهم في الغرب وأمريكا، لكن لم يعد إلى أفريقيا إلا النزر القليل منهم؛  وهذا شكل من أشكال التباعية والهيمانة للغرب المتعجرف الذي يواصل هيمنته على أفريقيا؛ سياسيا، اقتصاديا، ثقافيا، وتعليميا بمناهجه ومقرراته ذات التوجه العنصري والعصبي والتي توجد في مدارس أفريقيا بلغات غربية أبرزها : الفرنسية والإنجليزية والإسبانية والبرتغالية، وبمباركة أشخاص من أفريقيا يعيشون في الغرب وأمريكا ويستنزفون خيرات هذه القارة كسياسيين أو مستثمرين .

ماذا نعرف  نحن سكان شمال أفريقيا؟ عن هذا الأدب الذي يشبهنا ونشبهه، ونتشارك معه الجغرافية والتاريخ؟  أليس هو أولى من كل أدب في مدارسنا وكتبنا وجامعتنا ومعاهدنا داخل  أفريقيا وخارجها؟ لماذا الهيمنة للغرب وتقليده في كل شيء حتى نعله وحجم مؤخرته نتسابق عليها ونهتف من أجلها ؟ لماذا لا تخصص وحدات لهذا الأدب ؟  لماذا لا تدرج نصوص في المقررات الدراسية العربية من هذا الأدب؟ لماذا لا تتخصص مختبرات الدكتورة والماستر لهذا الأدب في جامعتنا؟ ألا يستحق منا العناية داخل جامعتنا وحياتنا اليومية ومسارحنا ودور السينما.؟ وهو الحاصل على جوائز نوبل والبوكر وجوائز عالمية ومحلية في مجمل أعماله الأدبية والفنية منها الرواية والشعر والقصة القصيرة والمسرح  والمقالة والفن التشكيلي ..إلخ. إنها ذخائر من الموروث الشعبي لسكان أفريقيا يشاركون فيه جنوبا وشمالا منذ قرون خلت إلى اليوم لازال يجمعنا العرق والجغرافية والتاريخ  والمناخ . هذا الأدب الذي كتب بلغات بعض الشعوب الإفريقية كالسواحلية والحوصة والبانتو والنيلو  ولغات المستعمر الفرنسي والانجليزي والبرتغالي والاسباني . وقد بدأ هذا الأدب في الظهور والازدهار بعد الحرب العالمية الثانية بأوربا وأفريقيا هدفه محاربة الاستعمار ورفض كل التوصيات والهمنة الغربية على شعوب الافريقية .

يعتبر الكاتب النيجيري تشينوا أتشيبي من أبراز كتَّاب هذا الأدب بروايته ” أشياء تتداعى ” التي يصور فيها الحياة الإفريقية أحسن تصوير للفرد والجماعة والدين والتقاليد المتبعة من طرف شعوب نجيريا خاصة وشعوب أفريقية جنوب الصحراء عامة . وبذلك استطعت تشينوا أتشيي أن يقدم لنا نفسه ككاتب موهوب ومحنك، لفت أنظار العالم إلى بلده نجيريا خاصة وافريقية عامة بحديث عن تفاصيل الحياة اليومية في نجيريا .وإلى جانب تشينوا بنجيريا نجد كاتبة النيجيرية أخرى لا تقل أهمية وشهرة من تشينوا في الدفاع عن حياة الأقلية العرقية ببلدها هي تشيماماندا أديتي التي تحدث بجرأة عن الحرب الأهلية بنجيرية واتضطهاد الاقلية العرقية رغم أنها تنتمي  للقبائل الجنوبية الذين هم أساس قيام الحرب الاهلية بالبلد، إلا أن قلمها أبى أن يبقى محايدا شامخا بين  المتحاربين، فقد كانت أكثر واقعية في وصف الصراعات والحرب الأهلية إبان ستينيات وسبعينيات القرن الماضي بنجريا . ” الأدب الإفريقي متعة أدبية مغمورة وحديث طويل عن بلاد موجوعة يسودها الظلام، سيكون من الرائع إن قرأت عنه وفتحت عينيك على ثقافات تجهلها في القارة السمراء”[3].

إضافة إلى تشينيوا وتشيما ماندا نجد كاتب نيجيري آخر هو: وولي سويانكا الذي حصل على جائزة نوبل في الأدب عام 1986 كأول إفريقي جنوب الصحراء يحصل على هذه الجائزة في الأدب، ويعد من أفضل كتاب المسرحية في جنوب الصحراء الإفريقيا على الاطلاقأ واعتبره البعض من نقاد الأدب والمسرح أنه الأفضلهم على الإطلاق بين كتَّاب المسرح ، من أبرز أعماله المسرحية “محاكمة الأخ 1960” و”الموت وفارس الملك 1975″، إلى جانب مسرحياته أصدر سويانكا روايتين هم “المفسرون 1965″ وتدور حول 6 مثقفين يحاولون تفسير تجاربهم الإفريقية و”موسم الفوضى  1973”. كما نجد كاتبة أخرى سنغالية حملت هم إفريقية في كتابتها وإبداعاتها الأدبية هي ميريما با  كاتبة وحقوقية، أصدرت سنة 1980 أولى روايتها بعنوان ” خطاب طويل جداً”  وهي رواية في شكل خطاب كتبته الأرملة راماتولاي تصف فيه كفاحها من أجل البقاء بعد فرار زوجها، وهو الكتاب الحاصل على جائزة نوما، توفيت ميريما بعد صراع طويل مع المرض . وذلك قبل أن تنشر روايتها الثانية “نشيد الأرجوان” عام 1981 وتدور حول قصة حب بين شاب سنغالي وشابة فرنسية.

في أقصى إفريقا جنوبا نجد كاتبة هي : نادين جورديمير   التي حصلت على جائزة نوبل عام 1991 عن مجمل أعمالها المناهضة للتمييز العنصري في جنوب إفريقيا، رغم أنها ولدت لعائلة برجوازية إلا أنها لم تحمل صفة التفرقة العنصرية، وقد كتبت أول قصة لها في التاسعة متأثره بمداهمة الشرطة لمنزل خادمتها السوداء، والجدير بالذكر أنها قد حصلت أيضًا على جائزة بوكر الأدبية، وأن من أبرز أعمالها “شعب يوليو 1981″ و”ضيف شرف 1970″ و”بلد آخر 2001”. كما نجد في نفس البلد أيضا جنوب إفريقيا كاتبا وروائي هو جون ماكسويل كويتزى الحاصل على جائزة نوبل في الأدب عام 2003، وهو ثاني جنوب إفريقي يحصل على جائزة نوبل بعد نادين جورديمير وآخر من حصل على هذه الجائزة في الأدب من إفريقيا، والجدير بالذكر أنه أول إفريقي يحصل على جائزة بوكر الأدبية مرتين، وأخيرًا من أبرز أعماله “خزي 1999″ و”سيد بيترزبرج 1994″ و”إليزبيث كوستيللو 2001”.

إضافة إلى الكتَّاب والكاتبات الذين تم ذكرهم نجد كاتبا آخر موهوبا لا يقل أهمية من غيره هو الكيني نجوجو واثينجو ، وهو يكتب في الرواية والمسرحية والقصة القصيرة والمقال، حصل على جائزة لوتس للأدب عام 1973، ويطرح اسمه دائمًا كمرشح للحصول على جائزة نوبل في الأدب، أول أعماله كانت مسرحية “الناسك الأسود” وصدرت في 1963 وآخر أعماله كانت في 2015، حيث صدر له كتاب بعنوان في “تأمين القاعدة” ومن أبرز أعماله “شيطان على الصليب 1980″ و”حبة قمح 1966″ و”ساحرات الغراب 2006”.

كل ما يجمع بين الأدب الإفريقي جنوب الصحراء الكبرى، هو دفاع كل كتَّابه وكاتباته عن الحرية والتحرر من قيود الاستعمار الغربي الذي استعبد الناس بإفريقيا، واستغل كل خيرات هذه القارة السمراء التي تعج بجبال الماس، والذهب والفضة والغاز الطبيعي الذي تشغل بها أوربا أسطولها البحري والبري والجوي. فكيف يهمل ولا يدّرس هذا الأدب بالجامعات العربية والغربية وهو الذي يحكي حياة المآسي والمعاناة بإفريقيا جنوب الصحراء، وهو الحاصل أيضا على جوائز محلية وعالمية مثل نوبل والبوكر واللوتس .


 [1]   الأدب الأفريقي بين اهتمام العالم وإهمال العرب، للكاتب الجزائري أزراج عمر، موقع /alarab.co.uk www.

[2]   الأدب الأفريقي، علي شلش، الذي يعتبر أول من عرف بهذا الأدب وبين خصائصه وروافده في كتابه الأدب الأفريقي الذي نشره المجلس     الوطني للثقافة والفنون والآداب، في مجلة عالم المعرفة الكويت، عدد 171، 1978، ص 16

[3]  مقال  الأدب الإفريقي.. السُمرة حين تكشف عن حسنها، لوفاء خيري وحفصة جودة، موقع www.noonpost.com

عن أحمد الشيخاوي

شاهد أيضاً

قصص قصيرة جدا

حسن لمين| المغرب الطيف كان واقفًا عند الشاطئ، يتأمل غروب الشمس كما يفعل كل يوم. …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التخطي إلى شريط الأدوات