“واجب المثقف الحقيقي” نور الدين التيجاني ــ المغرب

ضمن مواد العدد الورقي الأول لمجلة عبور

عبد الله العروي : إن واجب المثقف في الظروف التي نعيشها أن يشهد شهادة أمينة على موقع مجتمعه بين المجتمعات الأخرى بدون تسامح ولا تملق .

إدوارد سعيد : على المثقف أن يلعب دور الناقد والمصلح والمصحح ].

هل لازال هذا النموذج من المثقفين موجودا في مجتمعنا ،يفضح ينتقد ليبني ثقافة إنسانية تؤطر توجه وتبني الإنسان القادر على إنتاج القيم الإنسانية الجميلة ، بعيدا عن التطرف باتجاهاته في ظل ما يسمى بالعولمة بقيادة الرأسمالية المتوحشة التي حولت الكون إلى سوق تجارية تحكمها نظم الاستهلاك التي حولت الإنسان ومكوناته الثقافية الذهنية والمادية إلى بضائع معلبة ، وأفرزت معه أيضا تحديات أخرى ترتبط بالحياة المعاصرة والمتغيرات في العلاقات الدولية والبشرية والثورة الرقمية وتطور أدوات التواصل الاجتماعي المتعددة تكنولوجيا وإيديولوجيا …التي حولت الإنسان المستهلك من كائن عاقل وواقعي إلى كائن افتراضي يتفاعل بلا استقلالية ذاتية مع المنتوج الثقافي ( الأفكار، المعتقدات ، العادات والتقاليد ، الفنون ، القوانين ، وكيفية الاستعمال مع المنتوجات البشرية. المحيطة به ) في عملية انصهار وتواصل ذهني عابر للحدود ، خلق انقلابا على الثقافة التقليدية وخلخل نظمها الرمزية والأخلاقية .

سؤال يمكن مقاربة أجوبته من خلال استحضار الفعل الثقافي القائم ودور المثقف باعتباره المساهم الأكبر في العمل الذهني والتفكير وإنتاج الآداب والفنون … و في الفعل الثقافي المحلي والإنساني الذي هو جزء من الحراك الاجتماعي العام .

فالمثقف أو المثقفون أنواع متعددة غير مستقلة أحيانا محكومة بالعديد من المرجعيات والإيديولوجيات والمصالح ، ولها أيضا العديد من المهام والأدوار رغم أن دورها الأساسي يبقى قيادة مجتمع المعرفة نحو أفاق التنوير والشجاعة على الجهر بالحقيقة الشمولية مهما كانت مخيفة أو قاسية .

فمن هذه الأنواع نجد المثقف المأجور أو الحربائي الذي يهادن ويمجد لكل السياسات القائمة المتحكمة والمتنفذة والترويج لها ولمشاريعها السياسية والاقتصادية والاجتماعية…عن طريق الخطاب الثقافي البرغماتي الاسترزاقي أحيانا ،عبر كل وسائل الصراع الإيديولوجي وخاصة أبواق الإعلام الرسمي والتجاري باعتباره الأكثر انتشارا حتى بالمناطق الأكثر تهميشا، والمساهمة أحيانا أخرى ودون حياء في ترسيخ ثقافة الميوعة والاستلاب والتيه تحت شعارات مختلفة ،وهذا أدى ضمنيا وراهنا إلى خلق العديد من بؤر الانحراف الغريبة عن المجتمعات التي لها خصوصيات معينة أصبحت مؤخرا موضوع نقاش عام منقسم مابين جانب التذمر والتحسر الذيتؤطره الإنسانية والوطنية والقيم ، وجانب النشوة والتلذذ بالانتصار الذي تؤطره مفاهيم عولمة التحرر والتطبيع الضيق لصنع قوالب جاهزة، تبني مجتمع السفاهة والتفاهة لتصبح شعوبا استهلاكية مستلبة و قطيعا يرعى في زريبة السلطة القائمة ، لا في دولة المواطن والمواطنة.

وأغلب هؤلاء (المثقفين) تقذفهم المظلات على العديد من المناصب الحساسة المنتجة للمعرفة والثقافة والفنون وحتى المناهج الدراسية والتأطير الديني ، أو نجدهم داخل إطارات حزبية ومدنية وحقوقية ونقابية…موازية منظرون باستماتة لغرض استقطاب معين يتغير حسب المصالح والظروف والمواقع الطبقية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية… لصنع قوالب بشرية جاهزة للتحضين والتحنيط تخزن احتياطيا لتوظف حسب الطلب المرسوم لها بشكل ممنهج ، ونجدهم أحيانا أخرى يمتهنون حرفة التبرير للوضع القائم والحفاظ على أسسه المقدسة والمقدسة بكسر الدال للجماد والإنسان وللتاريخ المأدلج المغلوط المغيب للحقيقة القاطعة والغائبة.

فلا يمكن هنا حصر الأمثلة العديدة التي عرفتها البشرية لمثل هؤلاء لأنها تحتاج إلى وقت و بحث أكثر عمقا وتحليلا على الأقل من لدن الأكاديميين المختصين لمقاربة الموضوع من جميع جوانبه العلمية.

وهناك أيضا نوع آخر من المثقفين – المثقف الحقيقي- الغير المزيف ، المثقف الطلائعي المالك لقوة وإرادة الكلمة الواعي بقضايا عصره المصطف إلى جانب قضايا شعبه وخاصة عموم الكادحين والمسحوقين والمظلومين ، القادر على الجانب النقدي الصريح برؤى علمية معمقة تخوله امتلاك الأدوات الثقافية و الهيمنة عليها لغرض بناء ثقافة جماهيرية ديمقراطية لكون كل ( الناس مثقفون) على حد تعبير ” انطونيو غرامشي ” تحاصر ثقافة النخبة وتأسيس قيادة وسلطة ثقافية تربط الممارسة النظرية والذهنية بالممارسة الواقعية الملموسة القادرة على مواجهة السلطة السياسية وحليفتها الاقتصادية باعتبارهما المالكان لأدوات التحكم والموجهان للنظام الاجتماعي العام .

وضمن هذا النوع من المثقفيننجد الفنان المثقف واعني به المثقف الملتزم الممارس لكل أشكال الفنون المعروفة وخاصة الأكثر جماهيرية و الأقرب لعموم الناس باعتبارها وسائل تعبيرية مشتركة بين جميع الشعوب وعبر جميع العصور لكون الفن نمط حياة ولد مع الإنسان ولأجل الإنسان ويتجسد في جميع تجليات معيشه اليومي… مما يجب أن تكون رسائله التعبيرية حاملة لمشروع ثقافي إنساني حضاري لا تختزل فقط في التعبير عن المعاناة بل يجب أن تعبر أيضا عن الطموح من اجل الإنعتاق والحرية وتجسيد كل قيم الحب و الجمال والسلام والعيش المشترك …

وهذه النوعية من المثقفين الحقيقيين والفنانين الصادقين في كلمتهم ومواقفهم، .. نجدهم وللأسف الشديد محاصرين بكل الأشكال الحصار والتضييق المادي والمعنوي، متهمون دائما ومشكك في أفكارهم وفنهم وإبداعاتهم… وحتى في وطنيتهم ، حيث تجيش ضدهم فيالق الأقلام المأجورة والريعية، لمن يسمونهم مثقفين بشقهم الفني والإعلامي وغيره..والتشجيع من جهة أخرى ثقافة التفاهة والسفالة سعيا منهم إلى إسكات كلمتهم الحرة، وخنق شهادتهم الآمنة والمصححة والمدافعة عن مهمة المثقف ووظيفته التاريخية والوجودية، من اجل بناء أدوات التطور والتقدم والتنمية البشرية الحقيقية، في تكامل مابين الجوانب الثقافية والمادية والتركيز بالأساس على المعطى الثقافي القادر على تطوير الذات الفردية وقدراتها المعرفية والجمالية التي تجعل من الإنسان المنطلق والغاية .. وليس التشيء والبضاعة .

عن أحمد الشيخاوي

شاهد أيضاً

قيم ” التسامح ” و” التعايش ” في الشعر العربي

د.حسن بوعجب| المغرب             لقد اضطلع الشعر منذ القدم بدور تهذيب النفوس وتنمية القيم الإيجابية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التخطي إلى شريط الأدوات