الإبداع والبحث الأكاديمي
(معاً…نُشيّدُ مِعمار ثقافة رصينة )
محاورة / إشكاليات الكتابة السردية في القصة القصيرة والقصيرة جدا،
تجربة القاص المغربي حسن البقالي أنموذجا.
إعداد وتنسيق : ذة. الباحثة سناء سقي .
لن يتمكن مجتمعنا المعرفي من التخلّي عن المرونة الثقافية ومهمة البحث الأكاديمي بإسهامه في التقدم الفكري والعلمي والثقافي والحضاري.
وفي سياق الدور الإبستيمي للباحث الأكاديمي النموذجي بكونه علامة سيميائية دالة وفاعلة داخل الإطار المعرفي والفكري …والاجتماعي والكَوني له سمات مميزة :
+حي/ +إنسان /+عاقل/+متعلم/+معلم/+مبدع/+مفكر/+منتج/+ منفتح على ثقافة موسوعية، يعزز مسار تخصصه الأكاديمي والمعرفي بالاطلاع على وظائف ومكونات باقي الأنساق الثقافية والفكرية والإبداعية المختلفة والمتعددة التوجهات والأجناس؛ حتى يُجسّد حلقات الصلة الترابطية وسَنَن التواصل الفعّال بين أجناس الإبداع الفني والأدبي والبحث الأكاديمي الصرف.
ومن هذا المنطلق تفتّقَت هذه المحاورة يوم السبت 09أبريل 2022م بين القاص المغربي ذ. حسن البقالي وثلة من المبدعات والمبدعين والباحثات والباحثين الأكاديميين من تخصصات علمية متعددة ومدن مغربية مختلفة ، حيث طرحوا للنقاش بعض إشكاليات الكتابة السردية في القصة القصيرة والقصيرة جدا من خلال التجربة الإبداعية المتميزة والمتنوعة لضيف اللقاء؛ فمن هو القاص المبدع حسن البقالي الذي حتما تُواري في سِمْ٠ت العارفين “جُبّةُ بُورخيس” أسرار كتاباته الأدبية والفنية ؟!
- حِكْمةٌ بَالِغَة..
هو الذي رأى ،فيما، لم يره الآخرون…ومن ثمة قال : ” كل كتابة إبداعية هي بحث مستمر عن فاكهة غير متاحة.. عن شمس لها لون القلب ودمه، يهديها الكاتب للآخرين، ولها أن تلفحه، تحرق جلد الروح لديه، وتسقط منه الأشفار وشعر الرأس، ليخرج للناس مثل هندي أحمر ملفوح الجلد.
وكما أن شهرزاد لا تعيش نهارا لأن الحكايات أغمضت أعينها عن ذلك ؛ على الكاتب أن يختفي بعد الكتابة، عليه أن يتوارى خلف النص في صمت من اقترف جريرة، ويترك الكلمة للمتلقي.
أيها الكاتب،
على هدي النحل، أُكتبْ ومُتْ1 ” .
- حروفٌ من ملامح السارد …لا ولن تضيع .
هو الذي سَردُه ،مبنى ومعنى، تسْكُنه روح وهوية مغربية عربية كَوْنية ؛ بكيانها وكينونتها وقلقها ودهشتها ..وسخريتها وحكمتها ،هو الذي بصم إبهامُه مسار القصة القصيرة والقصيرة جدا معا داخل أنساق الكتابة السردية بالمغرب والعالم العربي منذ بداية التسعينات …
إنه القاص المغربي حسن البقالي ، من مواليد سنة 1958 بمولاي إدريس زرهون، اشتغل في التعليم كمفتش في التوجيه التربوي بجهة الرباط سلا – القنيطرة.
حائز على جائزتين في جنس القصة القصيرة :
- جائزة اتحاد كتاب المغرب للأدباء الشباب في دورتها الأولى سنة 1990 عن مجموعته القصصية “سبعة أجراس”.
- جائزة نجلاء محرم سنة 2008 عن قصة قصيرة بعنوان “المقامر” من مجموعته القصصية “الإقامة في العلبة”.
كتب في جنس الرواية “ماء الأعماق” وله ديوان شعر قيد الطبع” كما يزور البرق السماء” ؛ لكنه سرعان ما قدّم القصيدة قُربانا على عتبة الكتابة ليُراوِد القصة عن نفسها ويُروِّدها لتربُو في جَنَانِه قبل جِنَانِه مجاميعٌ قصصية قصيرة جدا منها :
” الرقص تحت المطر” ، “مثل فيل يبدو عن بعد”، “قط شرودنجر 2″، ” هو الذي رأى” ومجموعة أقراص قصصية ” كالعزف على القيثارة”.
كما صدر له مجموعة دمغات ” وهل سليمان يحكم الريح ؟” إلى جانب مجاميع في القصة القصيرة “سبعة أجراس” ، “قتل القط”، ” الإقامة في العلبة ” ، ” جبة بورخيس” .وجديد إصداراته لسنة 2022.
مجموعته القصصية ” الغابة شاسعة والأرنب صغير”.
نَصُّ ومُداخَلات المُحاورة :
- ذ. القاص المغربي حسن البقالي :
مساء الخير ذة. سناء، أشكرك أولا على اقتراح هذا الحوار، وعلى اتخاذ هذه المبادرة بإنشاء وتأسيس هذه المجموعة الطيبة ” واحة الإبداع والمعرفة” ، هذه الواحة ذات السعف الجميل، وأحيي ذة. سعاد وأعضاء المجموعة قاطبة، وأتمنى لهم شهرا فضيلا طيبا مباركا، وأرجو ان يكون هذا الحوار مثمرا وتحياتي لكم جميعا.
- ذ. الكاتب بوسلهام عميمر :
مساء النور أستاذة سناء، أستاذ حسن البقالي، أجدد لكم الشكر على هذه المبادرة وإتاحة الفرصة لنا للقاء بقامة من عيار الأستاذ حسن البقالي، لما أبدعه من إنجازات لحد الساعة؛ سؤالي هو : كيف استطاع ذ. حسن أن يوفق بين هذه الأجناس الثلاثة: الرواية، القصة ، والقصة القصيرة جدا؟
* ذ.القاص المغربي حسن البقالي :
ذ. بوسلهام تحياتي، أعتقد ان الامر ليس صعبا، خصوصا ان هذه الأجناس كلها تنتمي إلى هذا المجال الاوسع الذي هو مجال السرديات، الرواية، القصة القصيرة، والقصة القصيرة جدا، أكيد ان لكل جنس نوعية تختلف عن الجنس الآخر، ولكن في آخر المطاف هي تنتمي إلى نفس الشجرة الكبرى التي هي شجرة السرد.
ولكن مع ذلك أوافقك على أن الاشتغال ضمن جنس معين من هذه الأجناس إذا أردنا ان نسميها نوعا معينا فقط، ينحدر من هذا النوع الكبير الذي هو الجنس السردي، وقد يشغلك الاهتمام بهذا الجنس عن باقي الأجناس الأخرى، وأعتقد هذا ما حصل لي انا بالضبط مع القصة القصيرة جدا، اعتقد أنها جنس يمتلك من الغواية ما تحيط وتأسر كاتبها؛ حيث أنني كثيرا ما حاولت أن أنتقل مرة أخرى إلى كتابة الرواية، إلا أنه لحد الآن لم أستطع ان أكتب نصا طويلا. أنا أحاول الآن، ولدي رواية هي قيد الإنجاز ولكني أتأنّى كثيرا في كتابتها، واكتب القصة القصيرة جدا حاليا.
- ذ. رشيد مليح باحث أكاديمي( تخصص الرواية الحديثة) :
تحياتي للجميع، وتحية موصولة للمبدع ذ. حسن البقالي؛ ما هي أهمية القصة القصيرة جدا في وقتنا الراهن؟ أليست هي اكثر الأنماط التعبيرية ..التي قد تسعف الكاتب اليوم إبداعا في خضم الإيقاع السريع للعصر ؟
في المقابل… ألم يتم تبجيل الرواية على حساب مجموعة من الأجناس الأدبية المتميزة والتي لها خصائصها الإبداعية والجمالية المتفردة من شعر وقصة قصيرة وقصيرة جدا… ؟
- ذ.القاص المغربي حسن البقالي :
تحياتي ذ. رشيد، بالنسبة للقصة القصيرة جدا كما تكرّمت وتفضّلت هي تُسعف اليوم الكاتب إبداعا ..وكما كتبت، أكيد أنها أتت في سياق ثقافي وحضاري عام يُسعف في انتشار هذا النوع من الكتابة، أكيد أن الإيقاع سريع، إيقاع العولمة وإيقاع التوجه نحو كل ما هو صغير ؛ بالإضافة إلى حضور الأنترنيت كحامل للكتابة الإبداعية، أي أن هناك ظروف مساعدة في تطور هذا الفن مع العلم أن هذا الجنس من الكتابة له ما يقرب قرنا من الزمن، إذا اعتبرنا أن أولى المحاولات للكتابة ضمن هذا الجنس الادبي الصغير كانت في القرن الماضي حوالي 1930-1932م إذا ما اعتبرنا بأن أول نص قصصي قصير جدا يؤرخ له بنص ” الانفعالات” لنتالي ساروت.
أما الرواية ، فالأكيد ان توجها عاما نحو كتابة الرواية والهجرة إليها من الأجناس الأدبية الأخرى كالشعر والقصة القصيرة..ربما تلعب بعض الجوائز العربية والعالمية أساسا في هذا المجال، خصوصا جائزة البوكر للمنظمة العربية أو المسماة بالبوكر العالمية. ومن ثمة يمكن للجوائز ان تلعب دورا هاما في تطور جنس أدبي معين، وأنا أعتقد، في هذا المجال، ان الشعر هو أكثر الأجناس تعرضا للحيف، ربما لأنه لم يعد ينتشر بالشكل المفروض والمطلوب بحيث أننا نجد الشعراء يهاجرون بشكل أكثر نحو الأجناس السردية عموما إما القصة القصيرة أو الرواية بالخصوص.
- ذ. رشيد مليح باحث أكاديمي (تخصص الرواية الحديثة) :
بوركت ذ. حسن البقالي، كلام في الصميم…وأضيف ان الحيف مسّ كتابة القصة القصيرة جدا.. حتى من داخل قلاعها…حيث فهم العديد من كتّابها أن القصة القصيرة جدا يحكمها معيار كمي؛ في حين أن المعيار الحقيقي لها هو نوعي وكيفي جمالي…(الإيحاء، المفارقة، الثنائيات، الصدمة
وكسر أفق توقع القارئ…تحياتي.
- ذ.القاص حسن البقالي :
ذ. رشيد، أوافقك تماما في هذا الطرح، فأكيد أن كتاب القصة القصيرة جدا هم اول من بادروا بالإساءة إليها، خصوصا في هذا الاستسهال الكبير في كتابة القصة القصيرة جدا.
وأنا تحدثت من قبل عن الذين أتوا مباشرة لكتابة القصة القصيرة جدا دون المرور من كتابة أجناس أخرى، وجعل من تلك الكتابات الجيدة والنوعية تذوب تماما في هذا الكم الهائل من الكتابات ..ضمن هذا الجنس. أنا أيضا استغرب هذا الاحتكام إلى معيار الحجم فقط! وخصوصا هذا التوجه نحو كتابة القصة القصيرة جدا في أدنى مستوياتها، في أدنى شريط لغوي ممكن، بحيث نتحدث عن القصة القصيرة جدا في ست كلمات، في عشر كلمات، في سطر واحد إلى غير ذلك، وهذا يُغيّب أهم سماتها وخاصياتها ألا وهو حكائيتها؛ إذن أين هي المتعة الجمالية في ذلك ؟!
- ذ. عبدالعزيز الطوالي باحث أكاديمي( تخصص نقد أدبي حديث):
تحية عطرة لأعضاء الواحة الفواحة إبداعا، تحية طيبة للضيف المبدع القاص المتألق ذ. حسن البقالي؛ في نظركم ألا يعد نزوع القصة القصيرة نحو الغموض والكثافة الدلالية سببا جوهريا في كونها لم تحظ بالاهتمام الذي تستحقه؟ سواء بين القراء أو النقاد ، مقارنة بجنس الرواية في المغرب ؟
- ذ.القاص المغربي حسن البقالي :
مرحبا ذ. عبدالعزيز، هناك وجاهة معينة في طرحك، ولكن عندما نتحدث عن الغموض والكثافة الدلالية، طبعا ، هما مفهومان مختلفان. فالكثافة او ما يمكن ان نسميه بالتكثيف هو خاصية الآن من الخاصيات الأساس للقصة القصيرة جدا، وطبعا هو ليس حكرا عليها، بحيث أن هذه المسالة عرفتها القصة القصيرة قبل ذلك، ويمكن ان نلصق هذا المفهوم أيضا بالرواية التي يمكن ان تتصف بالكثافة أحيانا. هناك تفاوت في هذه المسألة بالنسبة لهذه الاجناس فقط.
أما فيما يخص الغموض فهذه المسالة فيها نظر؛ وكان لي فيها نقاشات متعددة مع بعض الكتاب وخصوصا فيما يهم القصة القصيرة جدا. أكيد ان الكتاب الذين يكتبون ضمن هذا الجنس لا يمتلكون دائما الوعي بخاصيات وتقنيات الكتابة داخل هذا المجال وخصوصا أولئك الذين لم يمروا من اجناس أخرى سابقة.
إذن عندما نتحدث عن الغموض…ربما كان سمة في القصيدة، وكان سمة محببة أحيانا، لكن في القصة القصيرة لا يكون محببا بالضرورة، فالقصة القصيرة من خاصياتها هي الحكائية أو ما يسميها البعض بالقَصَصَية ، وبالتالي فالمحكي القَصصي ليس بالضرورة غامضا.
أنا أقول بان الكاتب الذي يكتب ضمن هذا الجنس السردي هو طبعا لا يكتب مَعْميات ولا ألغازا، بل طبعا نكتب للناس من أجل خلب متعة جمالية معينة؛ ولكن ليس معنى هذا ان الرواية لم تعرف غموضا مطلقا.
فبالنسبة لدارس الرواية المغربية مثلا في السبعينات وحتى الثمانينيات كنا نجد ان كاتب الرواية المغربية كتبوا بشكل غامض، ربما لأنهم اتجهوا إلى التجريب الروائي في الوقت الذي لم نكن قد خلقنا تقليدا روائيا استئناسا مثلا بالتجارب العالمية والمشرقية أساسا.
نلاحظ الآن بان الرواية قد أصلحت مسارها وتوجهها العام؛ الكتاب المغاربة ساروا يكتبون رواية جميلة وجيدة، وبالطبع ابتعدوا عن ذلك الغموض.
- ذ. عبدالعزيز الطوالي باحث أكاديمي( تخصص نقد أدبي حديث):
ما رأيكم أستاذي الفاضل في جنس القصة الومضة باعتباره فنّا له جدة؟ وهل تحظى القصة القصيرة جدا باهتمام الكتاب المدرسي المغربي؟
- ذ. القاص حسن البقالي :
ذ. عبدالعزيز، يمكن اعتبار القصة الومضة احد متحورات القصة القصيرة جدا، ويمكن الحديث عن نوع من الشاعرية التي تبصم هذا النوع من الكتابة ؛ بالنسبة للكتاب المدرسي هو لم يهتم لحد الآن بهذا الجنس الادبي الصغير جدا.
كنت أشرت إلى هذا سابقا، قلت بأن القصة القصيرة جدا هي أكثر الأجناس الادبية مُوافقَةً للكتاب المدرسي، حيث نعلم أن بالمناهج الدراسية مقرراتنا غالبا ما تجزّئ بعض القصص الطويلة او الروايات وتقدم مقطوعات مجزّأة فقط إلى المتمدرسين، الشيء الذي لا يقدّم صورة مكتملة وشاملة عن ذلك النص؛ بينما القصة القصيرة جدا أكيد انها ستكون نصا مكتملا وقد تتيح للمتلقي المتعلم التعرف على خاصيات هذا الجنس انطلاقا من نص واحد أو نصين..
- ذة. سعاد برعوز باحثة أكاديمية ( تخصص السيميائيات وتحليل الخطاب).
مساء الخير للجميع، شكرا ذة. سناء على هذه التراويح الفكرية، شكري موصول لأستاذي حسن القالي الذي أتاح لنا فرصة التحاور معه في هذه الأمسية الجميلة.
سؤالي هو : كيف يمكن للباحث المغربي الذي يعيش العديد من الإكراهات المتعلقة بالبحث الأكاديمي أن يحاول الجمع والتوفيق والموازاة بين اشتغاله في البحث الأكاديمي، وان يكتب او يبدع في المجال الذي يستهويه؟ وكيف استطاع ذ. حسن البقالي أن يجمع بين الإبداع في مختلف الأجناس السردية التي تميز في كتابتها محققا مجموعة من الإنجازات القيمة في مساره وبين مجال البحث العلمي وأيضا ظروف العمل ؟ وشكرا.
- ذ.القاص المغربي حسن البقالي :
ذة. سعاد تحياتي، نعود مرة أخرى إلى تعدد المشارب وتعدد المناحي في الكتابة بين ما هو بحث أكاديمي وما هو إبداعي ؛ بالنسبة لي شخصيا لم أعرف هذه المسألة ولم أخبرها، لأني لم أدرّس في الجامعة – واحمد اللن على ذلك – أنا عندما أحرزت على شهادة الباكلوريا توجهت مباشرة إلى مهنة التعليم من خلال المركز التربوي التوجيهي، وبالتالي لم أدخل إلى الجامعة، ولم أتلق نفس المنهاج الذي تلقّاه الكثير من الكتاب المغاربة. ون هنا ربما ذلك التوجه الخاص بي، لن أقول الفرادة حتى لا أكون أدّعي شيئا؛ بالنسبة للذين زاوجوا بين الكتابة الإبداعية والبحث الأكاديمي فهم كثر، بالطبع نعرف منهم الكثير من الكتاب المغاربة ممن تخرجوا من الجامعات وهم أساتذة بالجامعة المغربية، ومنهم كتاب عالميون، على كل حال دون ذكر أسماء محددة.. وتفوقوا في كليهما وشكرا لك.
- ذ. الروائي المغربي عبدالنور مزين.
تحياتي للجميع، كما تمت الإشارة سابقا إلى فورة معينة حاليا في الكتابة الروائية .. حتى أصبح يشار إليها كنوع من الهروب إلى الرواية على حساب الكتابة الشعرية والقصصية.
لكن الملاحظ أيضا أن الشعر يكون موضوع غواية في مجال الإبداع والكتابة… مهما ابتعد الكاتب عنها يعود …دون معاندة ، كيف يمكن تفسير هذه السلطة التي يمارسها الشعر على الكاتب للحفاظ على مكانته كأحد أرقى أشكال التعبيرات الجمالية؟
- ذ. القاص حسن البقالي :
ذ. عبدالنور، عندما قلتُ سابقا أن الشعر أصبح يُهجر من الشعراء إلى الأجناس السردية ، فأكيد أن الشعر لم يعد أرضا خراب..بل ما يزال يلقى الكثير من التجاوب والاهتمام من قبل الكتاب .
يمكن القول بان الشعر ضرورة حياتية، فحياة خالية من الشعر لا تستحق أن تُعاش…
- ذة. سناء سقي باحثة أكاديمية ( تخصص الأنساق السردية والبصرية ).
مساء النور ضيفنا الكريم ذ. حسن البقالي ، تركز مداخلتي على طرح مجموعة من الأسئلة وهي كالتالي :
- ما هي طقوس الكتابة لدى القاص حسن القالي ؟ وما الذي يخلق لديك القلق وانت تكتب القصة القصيرة جدا؟
- ماهي التوصيات التي يمكن أن تختزلها في حكمة مكثفة توجهها إلى الكاتب بصفة عامة والكاتب الشاب بصفة خاصة؟
- كيف يقرأ القاص حسن البقالي إبداعات الكتاب الشباب المعروضة على منصات التواصل الاجتماعي أو ضمن إصدارات تقتنيها أو مهداة ..؟
- ما علاقة السارد بالمسرود له في كتاباتكم ؟
- كيف تنظرون إلى علاقة الشعر والسرد بالتشكيل ، باعتبار التشكيل خطاب بصري وله مكونات ومقومات سردية …سردية اللوحة التشكيلية مثلا ؟ وشكرا لكم أستاذي .
- ذ.القاص المغربي حسن البقالي :
ذة. سناء، ليس لي طقس خاص مثل بعض الكتاب …أنا يكفيني مقعد في مقهى هادئ – وغالبا ما أكتب في المقهى- وقلم وورقة من الأفضل أن تكون ذات سطور، ويمكن أن أكتب باللونين الأزرق والأسود معا.
أما ما يخلق لدي القلق في كتابة القصة القصيرة جدا مثلما ينسكن الروائي بشخصياته وهو يكتب رواية، ويراها تتنام بين يديه، فكذلك كاتب القصة القصيرة جدا، وهو يكتب من خلال عالم متشظي ومتشذر، وينسكن أيضا بالمرئيات عموما وبأشياء العالم ويمكن أن تنسل قصته القصيرة جدا من شيء مَرَّ به ، من شيء قرأه، سمعه، من كلمة معينة؛ والكلمة الأولى في القصة القصيرة جدا مهمة، منها تنسلُّ باقي الكلمات وتنسل القصة بالطبع مثل ذلك الخيط الأول الذي سيشكل فيما بعد تطريزا…
إن كان لي من توصية يمكن تقديمها إلىى كاتب معين أو كاتب شابّ ، هو أن يبتعد عن الاستسهال والسذاجة في الكتابة؛ أحيانا نرى بعض الكتاب يعتمدون بعض المفارقات ساذجة جدا، مما يجعل النص القصصي مبعثا على …
فيما يخص القصة الشابة، لدينا أصوات في القصة القصيرة والقصيرة جدا، هناك أسماء لا أود ذكرها لكنها تبدع في كتابة القصة القصيرة مما يجعل المغرب من ضمن الدول العربية المتقدمة في هذا المجال.
ذة. سناء ، إن كنت تعنين بالسارد في سؤالك أعلاه المؤلف او المؤلف الضمني، وإن كنت تعنين أيضا بالمسرود له المتلقي، أعتقد ان العلاقة بين الكاتب والمتلقي هي بمثابة ميثاق يعلنه أولا في البداية؛ ومن خلاله على الكاتب أن يكون أمينا له وأن يكون حريصا على إيصال المتعة التي قد تلقّاها أثناء الكتابة؛ فالأكيد أن الكاتب وهو ينجز عمله ينبغي أن ينجزه بنوع من المتعة، وعليه أن يحاول إيصال تلك المتعة إلى القارئ من خلال الكتابة ذات الجمالية بالطبع، ومن خلال الكتابة المنسجمة والمتناغمة.
بالنسبة للتشكيل كخطاب بصري ، أكيد له علاقة وطيدة بالشعر والسرد أيضا، وحينما نتحدث عن السرد وعن تجربتي الشخصية فأكيد أني أهتممت بهذا ، حيث كتبت قصصا معينة تستوحي وتستلهم صورة بصرية أو لوحة تشكيلية معينة، مثلا في ” الرقص تحت المطر” والقصة المحورية داخل هذه المجموعة تستلهم لوحة يصور فيها الفنان مجموعة من الرجال بألبستهم السوداء وهو يسقطون من السماء، وبالنسبة للصورة أيضا…
وعموما فيما يخص علاقة التشكيل بالشعر هناك كتاب شعراء حاولوا المزاوجة بين القصيدة واللوحة التشكيلية وأنت ذة. سناء واحدة منهم، لديك ديوان ” أجراس السنديان” في هذا الإطار يجمع بين تجربتيك التشكيلية والشعرية، وهذه تجربة مهمة جدا.
وإذا ما رجعنا إلى التراث العربي مثلا نجد بأن المقامات كتبت أيضا وهي تزاوج تلك الرسومات الجميلة. إذن دائما كان هذا النوع من التفكير من خلال مجالين أو فنين اثنين ممّا يغني الصورة النهائية بالطبع، سواء صورة السرد أو الشعر؛ نجد أيضا في “ألف ليلة وليلة” الكثير من القصائد التي تتخلّل الحكايات العجيبة لشهرزاد…
- توقيع ذ. القاص حسن القالي :
” في النهاية محطة لقاء بين عُزلتين : عُزلة الكاتب وعُزلة القارئ…لقاء ينبغي أن تُظلّله المتعة. مسيرة الإمتاع تبدأ حتما من البداية، حيث تستحيل كل كتابة إلى ” كاماسوترا للغة” وقلب للعالم موضوع في كف القارئ ومتروك لنبضه(…) ” القصة كسباق خيل أهم ما فيها البداية والنهاية” 3 “.
هامش وإحالات :
- مقطع من كلمة القاص حسن البقالي الملقاة في مهرجان ق ق ج بفاس أيام 3/4/5/ نونبر 2019.
- حسن البقالي” قط شرودنجر” مجموعة ق ق ج صدرت سنة 2014 عن مطبعة ووراقة بوغاز، مكناس (يقول ذ. حسن البقالي: من خلال نصوص هذه المجموعة القصصية من يقول أني اكتب القصة القصيرة في القصة القصيرة جدا؛ أي أحافظ عل خاصيات القصة القصيرة في القصة القصيرة جدا، وهذا ما يخلق نوعا من الخلط لدى المتلقي).
- مقطع من ” اقصص رؤياك” كلمة للقاص حسن البقالي.