أحمد الشيخاوي
” قتلتنا النظافة “..
هذا ما دأبت على قوله الأوبئة والفيروسات ، عبر تعاقب الأزمنة ، كونها ليس تعشش في سوى مستنقعات ظاهر كما سريرة السلالة التي تسيّد مثلب الاتّجار في الأشياء سائرها.
جائحة كورونا التي تكتسح عالمنا ، في الآونة الأخيرة ، أيضا ، ما تلبث تدندن أو بالأحرى ، تهذي ، بذات العبارة ، معرية زيف الحضارة الإنسانية المنبنية على الاضطهاد والعبودية والحروب سواء أكانت واقعية أم نفسية.
جاءت كورونا ،ولم تأت من عدم ، لأنها ،دون شك ، من أخطر إفرازات الحرب الباردة ما بين أمريكا والصين ، الناشبة منذ زمن طويل ، وهي حرب اقتصادية بدرجة أولى ، تتماشى وإيقاعاتها ،تبعية بقية الدول.
ولد مثل هذا الخطأ البيولوجي ، تحكمه خلفية خسيسة ، تروم تغيير خارطة العالم الإمبريالي التوسّعي ،الصهيو/أمريكي، صوب مزيد من آفاق المتاجرة في الطبيعة والكائن ، بلا هوادة ، وبأريحية كبيرة ،مؤذنة بقيامة كبرى وانقراض وشيك.
بفتح زاوية للطهارة بشقّيها الروحي ،قبل الجسدي ، والتي توصي وتقرّ بها مجمل تعاليم الديانة الإسلامية ، تتكشّف ملامح الأزمة الإنسانية العميقة التي يشهدها العالم ، في هذه الألفية ،إذا استثنينا النزر القليل من جوانب إضاءة أحاسيس وروح وهوية النوع، التي تتيحها الثقافة بشكل عام ، أمكننا القول أن السياسة الدولية ، والدين المحرّف كي يخدم مصالح سدنة التسلّط والمقامرة والقمع، يمثلان ألذ أعداء الحنيفية ونواميس الفطرة والاعتدال البشري.
زاوية الطهارة ، هي خيار الإنسانية ، بعد الآن ، وفي كل حين ، وهي نواة إستراتيجية الخلاص الإنساني ، وبذر فسائل النظارة والبراءة والملائكية والنضارة والجمال ،في كل شبر من هذا الكوكب الذي ما فتئ يصطبغ بالأخطاء والحماقات السياسية القاتلة.
زاوية الطهارة ،لأنها ثمرة سماوية عادلة ، وقطوف فوقي لانتشاء أبدي،يضمّد أحاسيس الخيبة والانحطاط والعنصرية وشتّى مكابدات السلبية والنقصان والنكوص الوجداني .
الطهارة وإن في أقل ما تشفّ عنه الأوبة إلى جذور إنسانيتنا ، وإن بهواجس تصيّدها في بضع فراديس السمو الوثني ، أو متاهات الطافي على الملمح الفانتازي في الديانات الوضعية المتآكلة والبعيدة.
على هذا الأساس ، ووفق هذه المنظومة من المفاهيم التي يجود بها مبدأ الطهارة الروحية والجسدية ، يمكن رسم فضاءات ما بعد عبور وباء الألفية ، وقد حصد من الأرواح ما جمع في قلب واحد كامل الشعوب ، وسمى بمعنى التسربل بإحساس إنساني وحيد أوحد ، وقاد إلى ثقافة فهم الرصيد ، من استعبادي أناني اقتصادي ، إلى توغل في الروح المغتربة المطفأة المنكسرة ، بغرض رعاية المتبقي من ذبالة ، يجسّدها الضمير الحي والمشترك الإنساني.