كنت جالسا ذات يوم، أقضي بعض الأغراض الشخصية في المنزل، سمعت صوت هاتفي الصغير يرن، تراجعت بخصوص الرد والإجابة، لأنني كنت مشغولا، ومنهمكا في مراجعتي المسائية قبيل صلاة العشاء، رن الهاتف للمرة الثانية والثالثة، ثم قلت في نفسي: سأذهب إلى حيث يوجد هاتفي لأرى من يحاول الاتصال بي، وجدت رقما غريبا، لم يكن مسجلا عندي في قائمة الأرقام، مسكت الهاتف وبقيت لهنيهات أفكر، أفكر بعمق شديد، ظنا مني أني قد أتذكر صاحب هذا الرقم، لكن دون جديد، ظننت في نفسي أن الرقم لصاحبته سكينة، على اعتبار أنها كانت صديقتي المقربة، ولأن الاتصال بيننا انقطع بسبب انفعالات تافهة، لهذا خلت أنها هي من تتصل لتحيي الصلة من جديد، قمت بالضغط على زر الرد، فإذا برجل يجيبني:
ــــ السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
ـــ وعليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته.
ــ أهلا بصديقي عساك بخير.
ـــ لله الحمد والمنة على فضله ونعمه، ماذا عنك؟ ومن تكون؟
ـــ الحمد لله بخير، أنا منير، صديقك من الرباط، ليتك تتذكرني.
ـــ تبسمت وقلت: آه نعم صديقي منير، مرحبا بك، نعم أتذكرك، ومن منا لا يتذكر صاحب الوجه البشوش، أعتذر لم أرد على اتصالك في المرة لأولى، كنت أقضي بعضا من أغراضي.
ـــ لا مشكلة، أقدر ظروفك مع أعمالك وأشغالك. اشتقت لك ولمبادلة أطراف الحديث معك، ليتنا نلتقي مجددا في القريب.
ــــ متبادلة صديقي منير العزيز، سنلتقي إن شاء الله قريبا، سأزور العائلة في الرباط، وسأزورك أيضا.
ـــ حسنا صديقي، شكرا لك، مع السلامة.
ـــ باركك الله صديقي، مع السلامة.
انتهت المكالمة مع صديقي، رب ضارة نافعة، رددت في نفسي إن من اتصل بي وقت المراجعة سيزعجني، لكنه حقيقة ذكرني بعزيزٍ على القلب وغالٍ، وقلت في نفسي سائلا إياها: ألا ينبغي أن أتصل بسكينة صديقتي؟ صديقتي التي كانت وماتزال قريبة رغم بعدها، وغالية رغم غيبتها، صديقتي التي كلما ذكرتها في مخيلتي، إلا وأتذكر تلك النظرة الأولى، نظرة جعلت من علاقتنا صداقة وطيدة يضرب بها المثل، لا يمكن أن أخفي اشتياقي لها ولمحادثاتها، لقد كانت هي من تؤنسني في وحدتي، ومذ أن قطع التواصل بيننا وأنا في عذاب مع الوحدة، أعاني كثيرا في غيابها، لابد أن أعاود الاتصال بها ومحادثتها، آمل أن يكون هذا الاتصال فأل خير لفتح صفحة جديدة مع صديقتي، ولكي نبني جسرا من الأمل فوق بحر من الألم.
اتصلت بسكينة فور انتهائي من المكالمة التي جمعتني بمنير فأجابت:
ـــ أهلا صديقي سفيان كيف حالك؟
سكتت لوهلة ثم قلت:
ـــ مرحبا عزيزتي سكينة بخير؛ وماذا عنك؟
فأردفت قائلة:
ــ الحمد لله، اشتقت لك كثيرا.
ــ متبادل صديقتي؛ سأراك قريبا لندردش بعض الشيء ونحيي صداقتنا.
قالت بهدوء تام:
ــ أنا بانتظارك صديقي، ستجدني في المكان المعتاد.
ــ حسنا عزيزتي؛ سآتي بعد بضع دقائق، مع السلامة.
ـــ مع السلامة صديقي سفيان، تحياتي.
انتهت المكالمة بين سكينة وأنا، فشعرت بارتياح كبير، لطريقتها في التواصل ولباقتها في الحديث، ذهبت إلى حيث كنا نلتقي عادة، فوجدتها واقفة تنتظرني والابتسامة على محياها، وقفت لوهلة ثم قلت في نفسي قبل أن أصل إليها، ستعود المياه إلى مجاريها، لست أن الذي يتراءى لي ذلك، بل ملامحها هي التي تظهر الشيء الجميل، سلمت عليها وبدأنا بالحديث، أخذنا نسأل عن أحوال بعضنا البعض وكأننا لم نلتقي لأعوام وأعوام، اغرورقت عيناي بالدموع ثم قلت بهدوء: لقد عانيت كثيرا في غيابك، لعل هذا لن يحدث مرة أخرى، ردت هي الأخرى متحسرة: كذلك شأني أي صديقي، لقد عرفت قيمتك بعد أن فقدتك، ولو لوقت وجيز، سوف لن يتكرر بإذن الله.
بقينا لمدة طويلة نسترجع بعضا من ذكرياتنا، والفرح والسرور يغمر قلوبنا، وإذ عدنا لبعضنا وبعد أن حاول الشيطان أن ينزغ بيني وبينها، انتهى لقاؤنا بالتفاؤل والأمل، وعاد كل واحد منا إلى منزله ضاحكا مستبشرا.
شكرا جزيلا منصة عبور على نشر قصتي القصيرة.
جزيل الشكر ووافر الامتنان
رائع سي سفيان 👍👍