الأبعاد السوسيوثقافية لخطاب {التبريحة}


ضمن مواد العدد الورقي الأول لمجلة عبور

أوطاط الحاج ونواحيه [ نموذجا]

تزخر الذاكرة الجماعية بالمنطقة، بالتصورات المحكية والموروث الشفهي،، عن طريق ” الغيوان ” أو “التبريحة” المصاحبة – غالبا- للأعراس،، مما يعتقد توثيقا شفهيا لأوضاع اجتماعية، عاطفية، و أخرى سياسية…

وفي أفق افتقاد التوثيق المكتوب، كان البديل هذه الطريقة المبهجة التي تفيض بالتمثلات الجاهزة،، ومحاولة سرد الأحداث بتفاصيلها الصغيرة؛ بطريقة منزلقة عن المألوف: تجسدت في ” التبريحة..”.

تعتبر التبريحة المصاحبة لرقصة” لعلاوي ” تيمة ضرورية لكينونة ها الفن الشعبي، إذ تماثل إلى حد كبير ، المقدمة الطللية أو الخمرية التي كانت تطبع قصائد الأولين..

“والتبريحة ” استهلال يسبق الرقصة، يقدم فيها ” البراح ” للعريس ” مولاي السلطان ” ولعائلته متمنياته بعيش رغيد، لينتقل بعد ذلك إلى موضوع” التبريحة” التي يكون غالبا ذا حمولة عاطفية، يبث فيها” الزجال” لواعج حبه لمحبوبته ،في حبكة زجلية راقية ذات جرس موسيقي رفيع، إذ تقاس جودة التبريحة، ومدى ملامستها لمشاعر المرسل لهن، بقوة الزغاريد المعبر بها..

وهذا النمط من السبك الحكائي يلامس إلى حد بعيد – في نظري – الغزل العذري في العصر الجاهل ( وأحيانا غزلا فاحشا ) – عهد الثنائيات – قيس ليلى، جميل بثينة…. إذ يشير” البراح” إلى محبوبته بكثير من الحذر، ويغلف الموضوع بشتى أنواع التلميحات والرموز خوفا من افتضاح أمرها داخل القبيلة :

[ نشكر ديك الوردة

مسقية امْحصنة في الجردة

عينيها امدافع كي العدة

في قلب العاشق دارو جوج الفامْ

إلى هدْرتْ ماتتفخمْ

والى ضحكت كتتبسمْ

بلا قراية كبرت تفهمْ

مفروزة في النسا كي لعلامْ

اكماندار امحزمْ

سعدو من دارها في دارو ينعمْ

وفي خاطر لخواطر…].

وفي أحايين أخرى يبرز الزجال أنفة وعزة لوطاطي ، وبطولاته في قالب زجلي بديع :

[ناكل الخبز ونعديه ببصلة ومطيشة

وماناكلش لخروف عند الناس المنانة

نسكن جرف فيه عريش

ومانسكنش قصور تحت الإهانة

وفي خاطر لخواطر….].

وقد تخرق ” التبريحة ” جدار المألوف لتخوض في مواضيع ترفيهية رياضية،، تساير العصر واهتماماته وهمومه :

[قالك هذي تبريحة من عندي

في خاطر لخواطر

وفي خاطر التاه والتهتيه

وفريق الرجاء ولي يبغيه…].

ليستحوذ هذا الفن الشعبي ، على جميع مناحي الحياة القبلية ، البدوية بأبعادها الإنسانية بالمنطقة،، ويرسم خطاها بكل ثقل، وبخطى ثابتة يعمق دروب السرد الشفهي ، بنكهة النغم ، ويقدم دوما مشعل الإبداع للأجيال اللاحقة التي بقيت وفيَّة لهذا الخط الإبداعي ، رغم ما غزاها من تحضر.

عن أحمد الشيخاوي

شاهد أيضاً

“الحكي الشعبي والسلطة “مصطفى لكحل ـ المغرب

"ذات مساء من أماسي الثلة الصالحة التي تزينت بها حياتنا ، كان الحكي الشعبي مثار حديث بيننا من خلال شخصية ارتبطت بالذاكرة الشعبية ارتباطا قويا ممتدا في التاريخ منذ سالف الأزمان والى يومنا الحاضر- وان أصبح دوره يتوارى بفضل التقدم التكنولوجي الغازي والزاحف على مختلف مناحي الحياة - هذه الشخصية هي شخصية " البراح" التي ارتبط ذكرها بالأعراس والحفلات والمواسم والمهرجانات بشكل كبير، فتحفظ له الذاكرة الشعبية الشفهية كثيرا وقليلا الذاكرة المكتوبة، جملة من المرتجلات الشعرية والمواويل والأراجيز،

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التخطي إلى شريط الأدوات