“القضية الفلسطينية بين المأساوي والبطولي”ميادة مهنا سليمان ـ سورية

كان الحرف وما زال السّلاح القويّ ضدّ جميع أشكال الظّلم والطّغيان، ولذلك جنبًا إلى جنب مع الحجارة الّتي كانت سلاح الفلسطينيّ ضدّ المحتلّ الغاشم، كذلك كانت الكلمة الرّصاصة الموجّهة إلى صدر العدوّ الإسرائيليّ الّذي أمعن بشتى وسائل القمع والتّرهيب في تعذيب الفلسطينييّن ومحاولة لجم أصواتهم، لكنّ الأدباء تمسّكوا بسلاحهم الفتّاك ضدّه، فعبّروا بجرأة وقوّة، وكانت كتاباتهم صرخة حقّ في وجه الظّالم.

فالنّكبة الفلسطينيّة، يمكن أن نقرأها من ناحية مأساويّة، ومن ناحية بطوليّة.

ومن أبرز شعرائها:

إبراهيم طوقان، فدوى طوقان، عبد الرّحيم محمود، عبد الكريم الكرمي، محمود درويش، سميح القاسم…

وممّا كتبه محمود درويش قصيدة(على هذه الأرض):

تعتبر هذه القصيدة من أروع قصائده، وكانت الفكرة العامّة أنّ المحتل لا محالة زائل والفلسطينيّون باقون في أرض فلسطين، بالحاضر والمستقبل:

أيّها المارّون بين الكلمات العابرة

احملوا أسماءكم وانصرفوا

واسحبوا ساعاتكم من وقتنا وانصرفوا

وخذوا ما شئتم من زرقة البحر

و رمل الذّاكرة

و خذوا ما شئتم من صور

كي تعرفوا أنّكم لن تعرفوا

كيف يبني حجر من أرضنا سقف السّماء

ولم يقتصر الأمر على الشّعراء الفلسطينيّين

بل شاركهم الشّعور بالمأساة شعراء عرب ومنهم نزار قبّاني فمنذ نكسة 1967 أخذ نزار يتّجه في شعره إلى منحىً ثانٍ، حيث التزم بالدفاع عن قضايا الأمّة العربيّة، وتحريرها من قيود الفكر الاستعماريّ، ومن أهم وأبرز القضايا العربيّة التي شغلت فكره، وأضحت همّه، وقضيّته الأولى(القضيّة الفلسطينيّة) يقول في

قصيدته منشورات فدائية على جدران إسرائيل:

لن تجعلوا من شعبنا

شعبَ هنودٍ حُمرْ..

فنحنُ باقونَ هنا..

في هذه الأرضِ التي تلبسُ في معصمها

إسوارةً من زهرْ

فهذهِ بلادُنا..

فيها وُجدنا منذُ فجرِ العُمر

فيها لعبنا، وعشقنا، وكتبنا الشّعر

مشرِّشونَ نحنُ في خُلجانها

مثلَ حشيشِ البحرْ..

مشرِّشونَ نحنُ في تاريخها

في خُبزها المرقوقِ، في زيتونِها

في قمحِها المُصفرّْ

مشرِّشونَ نحنُ في وجدانِها

باقونَ في آذارها

باقونَ في نيسانِها

باقونَ كالحفرِ على صُلبانِها

باقونَ في نبيّها الكريمِ، في قُرآنها..

وفي الوصايا العشر..

ولم يقتصر الحديث عن القضيّة الفلسطينيّة في الأدب على الشّعراء العرب، بل تزخر به أيضًا الذّاكرة الثّقافيّة الأمازيغيّة في المغرب. ويعد الإنتاج الثّقافيّ في المغرب أحد أبرز أشكال التّضامن مع الشّعب الفلسطينيّ، وأحد أهمّ الأسلحة الّتي يناصر بها الشّعب المغربيّ شقيقه الفلسطينيّ، ويبقي قضيّته حيّة في النّفوس. وممّا اشتهر عن المغني والشّاعر المغربيّ الأمازيغيّ الرّاحل محمّد رويشة أغنية عن فلسطين ولبنان والعراق، نورد منها هذا المقطع الذي يلخص الشّعور الأمازيغيّ تجاه القضيّة الفلسطينيّة:

ماتّا الزّْمانْ ءي ءيتّْساكّانْ ءيدّا الزّْمانْ ءيغودانْ

غاسْ ءادْ روغْ ءيمْطّي ءا لُوقْتْ ءاكّانْ مْنيدامْ

ءيكا الحق ءامّْ ءوحيزونْ ييوْضْ ءاشالْ ءيخوباسْ

ءالظّلْمْ ءوا توفيدْ ماشْ ءيتّهْزّانْ نّيكاسْ

ماسْ ءاخْدْ ءولينْ ءيشيبانّْ ءيعْدّا ءوخْمّْمْ ديكي

ءاغْيّْرْ ءيدّا ييويشْ ءايا ءافْراحْ زْكْ ديكي

فلسطين ءيخوباسْ ءاتُّويْناسْ ءيكودارْ

ءايا كْ رولْنْ ءيزْرْياشْ ءا ياعْداوْ ءامازيرْ

تعريب المعنى

أي زمن هذا الّذي أنا فيه، مضى الزّمن الجميل

لا يليق بي في هذا الزّمن إلا البكاء

أصبح الحقّ أعرج يعاني على الأرض

وجدتَ أيّها الظّلم من يرفعك فوقه

كثر عليَّ الهمّ حتّى شاب رأسي

طرد الحزن الفرح من قلبي

فلسطين معذّبة وديارها مدمّرة

يفرّون ويتركون بيوتهم للعدوّ

وبالنّسبة للتّجديد في القضيّة الفلسطينيّة في الشّعر فأقتبس ما قاله الكاتب سعدي أبو شاور:

“لقد عالج الشّعر الفلسطيني جميع الجوانب التي جدّت على السّاحة الفلسطينيّة، ولعلّ الجانب البارز في الشّعر الفلسطينيّ المعاصر ـ فنّيًّا ـ من حيث اللغة:

احتواء لغة الشّاعر على الكثير من مضامين التّراث الشّعبيّ والعادات والتّقاليد الاجتماعيّة، والألفاظ الشّعبيّة والأغاني والمواويل، والأمثال والحكايات وأسماء الأراضي والقرى والمدن الفلسطينيّة، وأسماء النّباتات والأشجار والثّمار والورود والأزهار والأودية بالإضافة إلى احتوائها على فيض هائل من مصطلحات المأساة وألفاظها ورموزها، واهتمامها بالعديد من الأسماء التي تحمل الهويّة الفلسطينيّة، وبالتّالي كان للشّعر الفلسطينيّ دوره في حفظ الذّاكرة الفلسطينيّة من التّغيير أو الانقراض.

وبالنسبة للصّورة الموسيقية في الشّعر الفلسطينيّ المعاصر. فقد تطوّرت أيضًا ، فمن حيث) الأوزان)

مرّت القصيدة الفلسطينيّة بمراحل تطوريّة ثلاث هي: مرحلة البيت الشّعريّ ذي الشّطرين في الشّعر التّقليديّ القديم، ثم مرحلتَي السّطر الشّعريّ والجملة الشّعريّة في شعر الحداثة.

ومن حيث (القافية) فقد تعامل الشّعر الفلسطينيّ مع مختلف أنواع القوافي حيث ظهرت في الشّعر الفلسطينيّ قوافٍ متنوّعة:

القافية العموديّة الموحّدة، ثمّ القوافي العموديّة المتعدّدة مستفيدًا من إمكانيّات الموشّحات، وإمكانيات الشّعر المرسَل، ثم قوافي الشّعر الحرّ الموحّدة والمتعدّدة والمهمَلَة.”

عن أحمد الشيخاوي

شاهد أيضاً

إشكالية المثقف

من المفارقات العجيبة في هذا الوجود الاجتماعي المعقد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التخطي إلى شريط الأدوات