تَداعيَاتٌ في الزّمَنِ الأعرَج

نور الدين ضرار| المغرب

هُوَ ذا زَمنيَ الأعرَجُ

وقتٌ لكلِّ الضالّينَ في عَتمةِ النهار..

هُوَ ذا مَكانيَ المُستعار

من قتامةِ الوجوهِ التي لا تعرفني،

أو ملكوتيَ الذي خَلقتُه سَهواَ

من طَميِ وهمي،

دَوَرانُ الأرضِ فِيهِ

لَم يَعُد يُسَلّيني،

ولا مواكبُ الغيمِ العابرِ

تيهَ البحارِ

تُغَرّبُها في حَضرتيَ السّواحل..

ويحدُثُ أحياناً

ان تُرهِقَني بِغَيِّها صَبَواتي،

أو يُزعِجَني عَجيجُ الاِسفَلتِ المخلوطِ

على الطرقات

بالغبار ورُغاءِ العابرين..

ثمّ ماذا لو كانَ صديقيَ الغياب؟

فأرتقي لعليائي سديمَ سقوطي

لأفكّرَ بكلِّ الصبايا المُتعَباتِ بانتظاري،

وافكّرَ بكلّ البحارِ المُنهَكةِ بمدّي وجَزري

أسمو عَبرَ مَداها

في خَلواتِ الغَيبِ

لأسمى سماواتي..

وحين يُدركنيَ الليلُ هناك

مثلَ ربٍّ من رُخامٍ اموتُ وحدي،

وأتركُ كلَّ المُتعَباتِ بانتظاري

عندَ مُفترقِ شارعين،

أو حولَ موائدَ

تخشّبَت مِن وَحشةِ المكان..

هنا زَمكانُ الهباء..

وانتِ في غفلةٍ منّي

شاخصة في كتب الخراب،

كما وَثَنٌ من أرجُوانِ حُلمي

تخرجين من ببن صلبي وترائبي

غيمةً مُمتَشِقَةً ابعادَ الغياب

سدرَةً مُمعِنةً في مُنتهى البهاء..

وَيَحدُثُ أحياناً

أن أستحضِرَ وُجوهَ الأترابِ

صَبِيّاً عَفّرَت ملامحَهُ النبوءات،

نَبيّاً مَسكوناً في السّرِّ

بدَهشةِ الأشياء..

أو اتشاغَلَ عنكِ

في غَفلةٍ منكِ

بالمرئيِّ من فجائعيَ القادمة،

والمرويِّ من قصائديَ الآجلة..

أو يَحدُثُ أحيانا

أن أتشاعلَ عنكِ بايّ شيء..

أبصِرُ أسلاكَ الكهرباءِ من النافذة

وأضحكُ مِن حِبال الغسيلِ الممدودةِ

على الشرفات..

أذكُرُ اسرارَ البارحة

وأضجَرُ بأحلام الآخرينَ

عند انكسار الوقتِ

على حافّةِ الظهيرة،

أو نصفِ شمسٍ اوّلَ المساء..

أسهَرُ كلَّ الليالي المُتَبَقيَةٍ

في ليلةٍ واحدة..

أمَدِّدُ لآخرِ فجرٍ شواردَها،

أسهَرُها سَهواً

وَأهزَأُ بأرقِ المتعَبين

في رابعةِ النهار

يَلوكونَ رتابَةَ الوقتِ

في أرصفَةِ العَراء..

وحينَ يُضرِمُ الحَرفُ

بأصابعي جَمرَ الصّبوات،

يتحجّرُ بعينَيّ وًميضُ عينيكِ..

يتحجّرُ بِيَدَيّ رحيلُ يديكِ..

وعلى شفتَيَّ

يَتحَجّرُ كلُّ الكلام.

ديوان “تسكعات في خرائط التيه”

منشورات الصفريوي، ١٩٩٩

عن أحمد الشيخاوي

شاهد أيضاً

غالي العشق

عبدالباسط الصمدي أبوأميمه| اليمن أنا شاعر من جبل حبشي بدأوعاد ورود تطوان بالحب تدمعذهبت إلى …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التخطي إلى شريط الأدوات