“دور المسرح التعليمي في تجويد قدرات المتعلم(ة)”إلهام لحلو/المغرب

توطئــة :

حين نطرح إشكالية العلاقة القائمة بين ” المسرح والتربية” ، فإننا نطرح قضية كبيرة ضاربة  جوهرية لها مساس كبير بمنظومة التربية والتعليم ، تجمع بين شقين متكاملين، الأول يكمل الآخر، حيث يتبادر إلى ذهننا بأن فن المسرح  يعتبر من أعرق الفنون وأصعبها كونه يحمل في طياته جنسا أدبيا ” المسرحية”، والذي يعتمد على التشخيص والتمثيل ، وكذا الفرجة والمتعة، أي فعل يتم اقتسامه مع الجمهور على الخشبة عكس الأجناس الأخرى كالرواية، والقصة التي تعتمد على السرد.

إن هذه المتلازمة المتجددة تدل بدون شك على أن ” التربية ” عنصرا أساسيا مكونا، ومكملا لجوهر” المسرح “، وهكذا يبدو المسرح أداة تربوية تنمي ملكات وقدرات المتعلم بغض النظر عن ثقافته، أو سنه، أو الجهة القادم منها ويذهب البيداغوجيين على أن الاشتغال بالمسرح يعني استعمال التعبير  الشفهي، والجسدي أمام جمهور معين.

 يحدد هنري ألون”Henri Hllon”  تعريف المسرح التربوي كما يلي: ” إنه صيغة للتعبير الخلاق ، وأهم مكوناته الرئيسة هو القدرة على الكلام والحركة ، وتعتمد أساسا على القابليات الطبيعية وسيلة للتعبير لجميع الأطفال” ([1]).

وتعرفه ” جيرالدين سيكس Geraldine  Sikes ” بالنشاط التربوي، بحيث يتضمن نوعين من الأنشطة هما مسرح الأطفال ، والنشاط التمثيلي، أما مسرح الطفل فإنه تأسس على المفهوم التقليدي، وله علاقة بالمسرحية المنتجة للأطفال، أما الأنشطة التمثيلية فلها علاقة بعمليات تشجيع الأطفال على ابتكار  دراما غير رسمية بواسطة المرشد المؤثر”([2]).

أما ” الدكتور إبراهيم حمادة  فيحدد تعريف المسرح المدرسي بالفرقة، أو الهواة الذين تشرف عليهم المدرسة، أو مؤسسة تربوية ، بهدف التسلية، والتثقيف، والتدريب على ممارسة فنون المسرح بأنفسهم، وقد تتجاوز هذا الهدف… “([3]).

بينما يراه المزي : ” وسيلة تربوية تعليمية ، وذلك  لشموليته ، إذ هو بالتعريف الحصري: الفن الشامل لما سبقه، ولحقه من الفنون، وبواسطته  يمكن إفساح المجال للتلميذ ليعبر عن قدراته بمختلف وسائل التعبير المضمونة في هذا الفن([4]).

  • هل يعتبر المسرح وسيلة تربوية للتواصل مع الآخرين؟
  • هل يساهم المسرح في التنمية العقلية والفكرية والاجتماعية والنفسية  في سلوك المتعلم ؟
  • هل ينمي المسرح حاسة الذوق الفني والجمالي لدى المتعلم؟
  • هل المسرح يبسط مواد الدراسة عبر ( مسرحية المناهج) بأساس تربوي لدى المتعلم مع بلورة مهارات التواصل اللغوي لديه؟

”  يعد المسرح ” من أعرق الفنون وأقدمها ، وكلمة مسرح (Théâtre) ، تعود في معناها الاشتقاقي إلى الأصل اليوناني (Théâtron) ، التي تعني مكان الشاهدة ، وقد أخذت الكلمة عبر التاريخ دلالات معينة ، فهي فن من فنون الشعر  في الحضارة  اليونانية ، ونص مكتوب يؤديه ممثلون عن الرومان” ([5]).

أما في معجم المنجد في اللغة العربية المعاصرة : ” المسرح، جمع مسارح؛ مكان السرح: القرية مسرح طفولتي ، مكان تمثل عليه المسرحيات، ، ذهب إلى المسرح ، أخشاب مرتفعة معدة للتمثيل، مسرح فسيح وجيد، ، صعد إلى المسرح ، ومنه فالمسرحية : جمع مسرحيات ، تمثيلية رواية  تمثل على مسرح ألف مسرحية”([6]).

ويعرف كذلك المسرح على أنه شكل من أشكال الفن، يترجم فيه الممثلون نصا مكتوبا إلى عرض تمثيلي على خشبة المسرح ، يقوم  الممثلون عادة بمساعدة المخرج على ترجمة شخصيات ، ومواقف النص التي اتبعها المؤلف فهو بالدرجة الأولى فن أدبي، لكنه يُؤدِيَّ  بدرجات متفاوتة في الأفعال ، الغناء، الرقص، والعرض..

فعلى حد قول الدكتور  حسن المنيعي في مؤلفه : ” المسرح فن خالد” ” المسرح هو تسييج إحساس  المتلقي عن طريق لغات متعددة تتساوق في نطاقها الحركات والأصوات والأنوار، والكلمات والصرخات، وإن هذه اللغات تشكل كلها كتابة جسدية تجعل منها قوة معدية une force contagieuse، تنفذ مباشرة إلى جسد آخر، أي جسد المتلقي لتجعله في حالة شعورية يستحضر خلالها فكرته ، وأفكاره عن الكون والحياة”([7]).

كذلك تعرف ” الأنُثروبولوجيا الجسد الحديث، بأنه يتضمن انقطاعا بين الشخص وبين الآخرين، وبينه وبين الكون، وبينه وبين نفسه، أي أنه يمتلك جسدا أكثر من أن يكون جسده “([8])، أي أن جسد الممثل يتموقع أو يوجد بين جسد طبيعي معين أو جسد مطاوع تبعا للموضوع الذي يؤديه ، كما أن المكان هو الذي يوجه الجسد، وهنا نعتبر المسرح موضوعا وبرنامجا لأساليب اللعب.

نستخلص مما تقدم، أن علاقة المسرح عامة، والمسرح التعليمي خاصة، حيث يعتبر حلقة وصل تجمع بين المسرح عموما والعملية التعليمية في عصرنا هذا. وبالرغم من أن المسرح عرف منذ عهد اليونان مع الأساطير، والاحتفالات الدينية فهو فن قائم، إنه فن الحياة .

اهتم العلماء التربويون بالمسرح التعليمي في القرن العشرين ، وما زال السعي نحوه لتوضيحه داخل المناهج، والمقررات الدراسية ، لذلك يحتاج إلى قواعد التربية التي تضع المادة في قالب مسرحي تجعل المتعلم مركز اهتمام في العملية التعليمية التعلمية ، وتساعده على الحد من ظاهرة التعليم السلبي.

يقدم المسرح التعليمي الدروس بطريقة جديدة بعيدة عن الطريقة التقليدية المعروفة (أسلوب التلقين  أو الكتب) ، ذلك بالتمثيل على خشبة المسرح، وجعل المتعلم في حركة مرئية تعكس اكتساب الطاقة الإيجابية ، والاندماج الفعلي مما يبعث له الحماس في قلبه وإشراكه  في جو الحصة الدراسية التي تهدف إلى الكشف عن قدراته، ونشاطاته ، وإبداعاته تحت إشراف المعلم، والمدرسة الأم الحاضنة .

تعد إشكالية التربية ووظيفتها التنموية واحدة من التحديات الكبرى التي كانت ، وما تزال تواجه العديد من البلدان ، فمنذ سنين مضت،  نجد الإجماع حول ضرورة التعليم، والتربية كطريق لكل نهضة حقيقية ، حيث تمثل التربية والتعليم جدلية الثابت والمتحرك، إذا اختل  الركن الأول، تخلفت باقي الأركان عن الركب ، ولتوضيح ذلك يجب الوقوف أمام أبرز المؤثرات التي تقف حاجزا أمام تحقيق أي آفاق وتنمية منشودة.

من المعلوم، أن التعليم هو الأداة، أو الوسيلة لتكوين المهارات، وتحقيق التكافؤ، والتكامل الفعال بين الموارد البشرية، والرأسمالية للوصول إلى أهداف التخطيط الشامل للتنمية.

” يرى فريدريك هاريسون « Fréderic Harrison » أن المشكلة الأساسية في معظم البلدان النامية، ليست فقط افتقارها إلى مصادر الثروة الطبيعية ، بل حاجتها إلى تنمية مصادر الثروة البشرية ، لذلك كان لزاما على تلك البلدان أن تبذل  الجهود في بناء رأسمالها البشري”([9]).

ليس الفصل الدراسي مجالا معرفيا فقط، بل إنه مجال للعلاقات الاجتماعية، والتفاعلات البين ـ شخصية، من هذا المنطلق يرتكز مجال المتعلم على ما يمتلكه من قدرات تعليمية، وعلى ما تؤهله له مرحلته النمائية من إمكانات للتحصيل ضمن جماعة الفصل من تمثلات، وتواصلات،  وتفاعلات ضمن شبكة العلاقات ، وفي هذا الصدد نأخذ كنموذج المسرح التربوي الذي يشحذ طاقات المتعلمين ، وينمي مواهبهم ومهاراتهم اللغوية ، والنفسية استجابة منه للمتطلبات المتطورة التي  تكسب المتعلمين روحا جديدة بعيدا عن النمطية في الأداء.

ينبغي أن نشير على أن المسرح التعليمي أداة تقنية، ووسيلة إخبار وتواصل قائمتين على عرض مواقف متخيلة كذلك هو أنسب الأشكال الفنية للتواصل مع المتعلم والتعبير عن عالمه الخاص، حيث هناك عدة نقط  مشتركة  بينه وبين المسرح كالمحاكاة ، والتقليد والطابع التفاعلي ، مما يسمح له الاندماج مع أقرانه.

كما يندمج الممثل مع الفريق الذي يمثله ، إن المسرح الذي  يقدم خصيصا لهذه الفئة ( المتعلمين) ينبغي أن يراعي طبيعة المرحلة العمرية التي يمر بها مما يستوجب اختيار خطاب يتناسب مع تلك المراحل العمرية.

إن الهدف الذي يرمي إليه هذا النوع من المسرح هو تنمية  ثقافة التلميذ أو المتعلم، وتطوير قدرته على التعبير،ورفع مستوى ملكة التذوق الفني لديه، وتعليمه فن التمثيل، والمؤسسة التعليمية هي التي تقع عليها مسؤولية إعطاء التلاميذ الفرصة لاختيار ذكائهم وبلورة مخيلتهم وابتكار ألعابهم التي تعد الأساس لحياة طبيعية سعيدة مليئة بالخبرة والجمال الفني.

يساعد المدرسة هذا النوع من النشاط  في تكوين شخصية المتعلم التي تعاني شيئا من التهميش ، ذلك بجعل المتعلم قالبا يعكس نمط التكرار، وليس  فردا فاعلا قائما بذاته يعكس شخصية متكافئة  مندمجة مع الآخرين . يتخذ المسرح  المدرسي لقبه من  كونه يقدم داخل بناية المدرسة ، كما أن جمهوره من فئة الممثلين والمشاهدين المتمدرسين ، ويتكون من أربعة  أنواع هي :

المسرح التعليمي: هو المسرح الذي يشحذ طاقات المتعلمين، وينمي مواهبهم ومهاراتهم اللغوية والنفسية استجابة لأساليب التربية الحديثة التي تعتمد على إكساب المتعلمين مهارات جديدة  بعيدا عن الطرائق  التقليدية، أو هو أيضا نوع يساهم في تقديم المواد والمناهج الدراسية بطريقة تؤثر ايجابيا  في العملية التعليمية التعلمية.

المسرح التلقائي :  من خلاله يعرض المعلم موضوعا ، ويترك للمتعليم التعبير عنه والخوض في مفاهيمه، ويعطي فرصة هادفة تترك له متنفس التأليف والإخراج وتقليد الكبار.

المسرح التربوي : وهو فن تربوي يلتحم فيه الأسلوب بالغايات، وهو من أهم أساليب التربية الحديثة ، ومن أفضل وسائلها لتنمية شخصية المتعلم، وخاصة في المرحلة الابتدائية  باعتباره أحد الوسائط التعليمية المستخدمة، والأكثر تناسبا لتنمية تلك المفاهيم الاجتماعية .

مسرح العرائس: هو فن شعبي قديم جدا، ازدهر في البلاد العربية مباشرة بعد سقوط الأندلس، وكان وسيلة جيدة لحكاية القصص ذات دلالات قيمة، اجتماعية إنسانية وسياسية.

يعتمد مسرح العرائس بالأساس على العروس، أو اللعبة هو نوع شائع في المدرسة، وخصوصا الابتدائية في منهاج إعداد المعلم، وترى فيه المناهج وسيلة تربوية، وله مسارح خاصة ، وهناك أنواع للعرائس التعليمية : وهي عرائس الأيدي أو الأكف ، وعرائس القفاز الماريونيت، وعرائس  العصي  وعرائس الظل ، … وهكذا دواليك.

وبهذا يحقق المسرح التعليمي جزءاً من النشاط الثقافي، الذي يستهدف تثمين المتعلم، إغناء معلوماته ، وتنمية شخصياته وقدراته ، وتوسيع مداركه، وتسيير تقديم المسرحيات بلسان فصيح وإلقاء سليم.

وتعتبر اللغة العنصر الأساس في كل مجتمع تخيل كيف ستكون حياة المرء لو فقد القدرة على استعمال اللغة ؟ إن اللغة مهمة لفئتين من الأسباب ؛ تتعلق الفئة الأولى بكونها حاضرة في جميع أبعاد حياتنا ؛ فبفضلها تكون العلوم ممكنة ، وكذلك الفن، التكنولوجيا والفلسفة ، وهلم جرا …، وبفضلها أيضا يكون الالتقاء والتعارف بين الأفراد ممكنا. إن اللغة هي الوسيط الذي تقام من خلاله علاقتنا بالعالم وبالآخرين . واللغة كذلك هي إحدى الوسائل المفضلة لتسجيلها وتبليغها من جيل إلى آخر ، فهي إذن وسيلة لأي تقدم وأداة للتواصل بين البشر.حيث تتسم اللغة بكونها ملكة إنسانية تستعمل للتواصل وبناء على هذا تسجل الخطاطة التالية عناصر هذه العملية والعلاقة الرابطة بينها :

اللغــة    
  تحليل الأصوات: –  الفونيطيقا – الفونولوجيا    تحليل الكلمات: –  المورفولوجيا الإعرابية – المورفولوجيا – الاشتقاقية  تحليل الجمل : النحو السيميوطيقا  تحليل الخطاب البراجماتيك

شكل : توضيح لمستويات تحليل لغة ما وفروع علم اللغة التي تهتم بالتحليل

أضحى التواصل داخل الثقافة المعاصرة موضوعا أساسيا للبحث الذي تعددت مشاربه، ليس التواصل ظاهرة لسانية  فقط ، بل هو مفهوم يحيل على ظواهر إنسانية عديدة: ” سوسيولوجية ،  تربوية ، ثقافية ، جمالية ، فنية … ، حيث تعد الأنشطة الثقافية والاجتماعية والفنية بالمؤسسة التعليمية أنشطة تكميلية موازية، حاضرة في المستجدات التربوية ، وأضحت القلب النابض، مما أعطى للحياة المدرسية بعدا جديدا باعتبارها ” مناخا وظيفيا في مكونات العمل المدرسي … وتتشكل هذه الحياة من مجموع العوامل  الزمانية المكانية والتنظيمية والعلائقية ، والتواصلية والثقافية ،  والتنشيطية”([10]).

من هنا، يُتَوَّجُ ” التواصل” كعنصر مهم لتفعيل هذا المفهوم الذي يجمع بين التعبئة والتحسيس، والتحفيز، والإشعاع، والتواصل  داخل فضاء هو مجال للتعايش والتسامح والتضامن مع احترام الحقوق بعيدا عن كل أشكال التوتر والعنف.

انطلاقا من هذا الفرش المعرفي، يتبين أن المتعلمون هم بمثابة أوعية تستقبل ما يلقى عليها، ولأنهم متساوون، يقع الفعل التعليمي عليهم، وكل واحد منهم ينفرد بذاته ، قدراته واحتياجاته.

إذ أن الإنسان إذا أراد قول شيء ما، فإنه بالطبع يريد نقلها للآخرين، وهو لا يستطيع  زرعها في أفهامهم، فيوصلها من خلال اللغة، فالكلمات التي ينطقها تحمل فكرته لتصل إلى ذهن المتلقي! لقد وضع أندري مارتيني  André Martinetنصب عينيه وفي مقدمة  اهتمامه استعمال نموذج  من التواصل  بين واضح، وبهذا الوضوح أصبح تصوره متداولات ، إنه يبين ـ حسب فهمه ـ كيف تنشأ العلاقات بين الأشخاص بواسطة الكلام، وأبحاثه كانت تخضع للمفهوم التالي: ” إن الخاصية الأساسية للغة هي أن تصير أداة للتواصل”([11]) .

وإذا كان من معاني التواصل ومقاصده، بناء العلاقات  وتقوية التفاهم بين الأفراد والمجموعات، فإن من ابرز الخصائص اللصيقة باللغة، الإفصاح والإبانة، ويتأكد ذلك في اللغة العربية من خلال الإعراب، إذ ” تكاد تجمع القواميس والمعاجم في شرح ” الإعراب” على معنى واحد مفاده أن الإعراب هو الإبانة والإفصاح”([12]) وهو ما يؤكد مدى متانة العلاقة الرابطة بين اللغة والتواصل . ويتحقق التواصل، حينما نرسل أو نستقبل رسائل، ” وحين نعطي دلالات للعلامات الخاصة بشخص آخر، ويتعرض التواصل الإنساني للتحوير دائما بواسطة الضوضاء، ويتم إنتاجه داخل سياق معين، حيث يكون له تأثير متبادل محتمل “([13])

وبذلك؛ يحقق التواصل نتيجة تجمعها علاقة ترابط وتكامل ، وسط سياق من العوامل التي تؤثر إيجابا  وسلبا في جودة العملية التواصلية ، وتنشأ هذه العملية داخل حركية دائمة ومتفاعلة مع مختلف العلاقات، لا يمكن الإلمام بإبعادها إلا بالارتكاز على محورين مهمين :

” أولهما المعرفة المتكاملة التي تأخذ بنظام العلاقات المتبادلة بين العلوم المعنية بالاتصال. وثانيهما تمايز البحث في الاتصال بمحاولات  معينة مثل تكنولوجيا الاتصال، بيولوجيا الاتصال، سوسيولوجيا الاتصال، سيكولوجيا الاتصال … وهذان المحوران ينبغي أن يتفاعلا فيما بينهما ليعمق بعضهما الآخر، وليثريا البحث في الاتصال من جوانبه المختلفة، وصولا إلى التكامل النظري للاتصال كظاهرة مركبة متشابكة الأبعاد والمكونات”([14]).

يقول جون بياجي ” Jean piaget”: ” الخلاصات الرئيسية التي تقدمها أبحاث سيكولوجيا الطفل لحقل التربية تتعلق مع تنوعها، بطبيعة النمو الذهني نفسه … فكيف يمكن إذن تأويل قوانين وأطوار النمو الذهني من وجهة نظر المدرسة؟ أي كيف تساهم معرفة أطوار النمو الذهني للطفل بالقدر الكافي لإيجاد المناهج الأنسب لنمط التكوين التربوي المرغوب فيه؟ ” ([15]).

لعل أبرز ما يشير الممارس في حقل التربية والتعليم ، هي مسألة التفاعل بين المتعلم وبين مساره  بأبعاده المؤسسية، خاصة وأن العملية التعليمية التعلمية  ترتكز كثنائية  على نسبة العلاقات الدينامية والتفاعل بين التدريس والتعلم كنسق من الأداءات يتداخل فيها المؤسسي بالسيكولوجي، والبيداغوجي بالديداكتيكي .

وعليه؛ نلمس أن التربية والتعليم في علاقتهما بالمتعلم والتعلم، تعتبر علاقة مترابطة، تطرح أكثر من سؤال، ذلك أن التربية كسلوك بشري علائقي ” بين فردي ” وجماعي، لا يمكن اعتبارها إلا جزءا من إنسانية الإنسان، ومقوما مركزيا  لخصوصيته الإنسانية . وهي قبل أن تكون فكرا وتنظيرا كانت، ولا زالت أنماطا سلوكية تفاعلية غائية وهادفة، إنها تتحدد كحقل تأثير بين المرسل والمتلقي، وكقناة وسيرورة تنشئوية يستمد من خلالها المتعلم مقومات الوجود والتكيف مع منطق الجماعة ، كما أنها فضاء لاكتساب أشكال الوجود والمعرفة  والقيم اللازمة  لإنسانيتنا.

وصفوة القول؛ اهتدينا إلى الخلاصات الآتية:

  • يعالج المسرح الخوف والخجل من مواجهة الناس وله قدرة على تفجير كل الطاقات المكبوتة داخل المتعلم ، فهو يعيد التوازن النفسي إليه ويحقق جاذبيته الجمالية والذهنية .
  • يعتبر المسرح من الأنشطة الفنية التي يمارسها المتعلم، حيث لها تأثير إيجابي على بناء شخصيته المتوازية عقليا، وجسميا، حيث يشير إلى أن النشاط الجماعي هو التكامل الفيزيائي، والعقلي مع إدخال الأنشطة الفنية، والجمالية في أغلب المناهج الدراسية.
  • إن المدرسة مؤسسة تعمل على جمع، وإبراز القيم المتناقضة في المجتمع إلا أن المسرح يعمل عل تكييفها وبلورتها مع سلوك المتعلم.
  • يعمل المسرح المدرسي على خلق روح التعاون الجماعي، والحد من الانطواء الذي يشكل عائقا للمتعلم.
  • يدمج المتعة على اللعب، وجعل المتعلم يحس بالشغف على أساس في  بلورة العملية التعليمية، وجني ثمار النجاح الدائم.
  • إن المسرح التعليمي وسيلة لمعالجة عيوب النطق، إضافة إلى أنه يحرك مشاعر المتعلمين وتهذيبها وجعل التواصل،  والتفاعل على خشبة المسرح الشرط المهم لتشجيع التلاميذ، وامتحان كفاءاتهم.
  • يساهم المسرح في توصيل المعلومات وترسيخها في أذهان المتلقين، بعد وضعها بقوالب درامية ومقترحات سليمة .
  • يشرك المسرح المدرسي عددا من المتمدرسين في عمل جماعي واحد، ويعد دورا إيجابيا لهذا النشاط ؛ حيث يساهم في نبذ العنف والأنانية وخلق روح الفريق، والثقة بالنفس فيما بينهم  فضلا عن تكييف أنفسهم تكييفا مألوفا مع النماذج السلوكية التي يستخدمونها في واقع حياتهم.
  • يعلم الطلاب التمرس بالحياة والانسجام مع المجتمع الذين يعيشون فيه.
  • يمد المتعلم بالمعارف والخبرات والمهارات بتوضيحها، وتثبيتها عن طريق الحركة والحوار.
  • يعلم المسرح المتعلم دروسا في التعاون والصبر، والمواظبة وإنكار الذات، والاعتماد على النفس ، ويساعده على التغلب على الخجل والتخلص من العزلة.

خلاصة تركيبية :

هدفت هذه الدراسة، التعرف إلى دور المسرح التعليمي، حيث يرى بعض الدارسين، أن ” المسرح” جنس أدبي” لأنه يقوم كفن على ثنائية أساسية هي ” نص/ عرض” ، بينما يرى البعض الآخر أن الأمر يتعلق بالفرجة، والمتعة، والمسرح هو أداتها، من وجهة نظري ، إن أحسن نموذج للتكوين هو المكون نفسه، ذلك الكائن الذي يمدنا بالمتعة ، ويوصل إلينا اللذة.

تساهم عملية التعليم، والتربية بشكل كبير في إغناء التجربة الاجتماعية للمتعلم، وبناء شخصية بالاتجاه الإيجابي ، وهذا ما يؤكد قوة التأثير الذي يمارسه المدرس، بحضوره ، وبأخلاقياته الخاصة، والعلائقية، وبثقافته ، ومبادئه ، وبروحه  التربوية التي يعيش بها متعلميه  ويسير بها جماعة الفصل.

لهذا ، فشعور المعلم بالثقة في النفس، والاعتبار الذاتي،  والفاعلية والأمن العاطفي داخل الجماعة ، يمنح  المتعلم عدة إمكانات لبناء أناه الاجتماعي.

كما لا يفوتنا القول؛ إن المشاركة المتكررة للمتعلم في الأعمال المسرحية ، تجعله يحسن من كفايته التواصلية ، وينمي رصيده اللغوي بالمواضيع المختلفة والألفاظ الجديدة، ولا سبيلا في تحقيق هذه النتائج ، إلا بانتهاج سياسة تربوية قادرة على جعل المسرح الموجّه الأساس في العملية التعليمية التعلمية، بحيث يغدو مندمجا في البرامج، والمقررات ، ومكونا فعالا في الحياة المدرسية.

SUMMARY :

The purpose of this article is to recognize the role of educational theater ; where some learners  claim that theater is a literary genre, because it is  based on the basic duality of text and  presentation, meanwhile, some others see  theet  theater is  about the theater stage   itself, entertainment , and joyment. From my standpoint,  I do strongly believe that the best model of coaching is the coach himself, because the/ she the only one that can make the subject interesting and pedagogy contributes greatly to enriching the social  experience of the learner, as  well as building  his social personality . This confirms the influence exercised by the teacher with his presence, personality, private relational ethics, culture, principles, private, and with his educational spirit in which he lives among his learners and with which he conducts the class.Therefore, the teacher’s sense of self – confidence, self – esteem, effectiveness and collective security within the group gives the learner several possibilities to build his social self. In addition, the learner’smultiple participation in theatrical works makes him develophis communicative competence, and. Develop his linguistic abilities with different topics and new word dealt with. There is no way  to achieve these  results, except by adopting an educational policy that  is capable of making theater the main guide in the educational process,  so that it becomes integrated  into programs and courses, and , an effective component in school life.

الهوامــــــــش

المراجع بالعربية :

  1. البوحسيني (رفيق) : الإبانة في اللغة، من الإعراب إلى المعنى، منشورات شعبة اللغات والأدب والتواصل، الكلية متعددة  التخصصات ، تازة 2015.
  2. حمادة (إبراهيم) : ندوة مسرح الطفل ، مجلة العلوم الإنسانية ، الكويت ، عدد:43، 1993 .
  3. الدادسي (الكبير): تحيل الخطاب السردي والمسرحي، دار الراية، عمان، ط1، 2004.
  4. دليل الحياة المدرسية ، ب ـ ط ، ب ـ ت.
  5. سيكس (جيرالدين) : الدارما مع الأطفال ، لندن، 1983، ص : 327.
  6. طلعت (منصور): سيكولوجيا الاتصال ، مجلة عالم الفكر، المجلد 11، ع:2، يوليوز، غشت، شتنبر 1980 ، الكويت.
  7. لوبروتون (ديفيد): أنثروبولوجيا الجسد والحداثة، ترجمة محمد عرب صاصيلا، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع ، ب ـ ط، بيروت، 1993.
  8. المزي (محمد) : عن محمد إسماعيل خلف الطائي ، واقع المسرح المدرسي في العراق ، رسالة ماجستير ، كلية الفنون الجميلة ، جامعة بغداد العراق ، سنة 1989 .
  9. المنيعي (حسن): المسرح فن خالد، نماذج من أعلامه وأنساقه الدراسية، مطبعة الإبداع والتواصل، 2003.
  10. نعمة (أنطوان) وآخرون: المشهد في اللغة العربية المعاصرة، دار النشر ، بيروت، 2007 .
  11. هاريسون (فريديريك): التربية والتنمية، مجلة التربية الحديثة الجامعة الأمريكية، القاهرة ، ع : 3 ، فبراير 1964.

المراجع بالفرنسية :

  1. Devito (Joseph): les fondements  de la communication humaine. adaptation de Robert trembalay Gaeton Morin, édition 1993.
  2. Henri Hllon : l’évolution psychologique  de l’enfant,  Armond colin, Paris, 1965.
  3. Piaget (Jean) : psychologie et éduction.

[1] – Henri Hllon : l’évolution psychologique  de l’enfant,  Armond colin, Paris, 1965.

[2]  – جيرالدين سيكس : الدارما مع الأطفال ، لندن، 1983، ص : 327.

[3]  – إبراهيم حمادة : ندوة مسرح الطفل ، مجلة العلوم الإنسانية ، الكويت ، عدد :43 ، 1993 .

[4]  – محمد المزي : عن محمد إسماعيل خلف الطائي ، واقع المسرح المدرسي في العراق ، رسالة ماجستير ، كلية الفنون الجميلة ، جامعة بغداد العراق ، سنة 1989 .

[5] – الكبير الدادسي : تحيل الخطاب السردي والمسرحي، دار الراية ، عمان ، ط1 ، 2004 ، ص : 91.

[6] – أنطوان نعمة وآخرون : المشهد في اللغة العربية المعاصرة، دار النشر ، بيروت ، 2007 ، ص : 751.

[7] – د. حسن المنيعي : المسرح فن خالد، نماذج من أعلامه وأنساقه الدرامية ، مطبعة أمنية للإبداع والتواصل، 2003 ، ص : 11.

[8] – ديفيد لوبروتون : أنتروبولوجيا الجسد والحداثة ، ترجمة محمد عرب صاصيلا ، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، ب ـ ط ، ب ـ ص،  بيروت ، 1993 .

[9] – فريديريك هاريسون : التربية والتنمية ، مجلة التربية الحديثة الجامعة الأمريكية، القاهرة ، ب ـ ط،  ع: 3 ، فبراير 1964 ، ص : 60.

[10] – دليل الحياة المدرسية ، ب ـ ط ، ب ـ ت ، ص : 04.

[11] – نقلا عن  الدكتور إدريس الذهبي : التواصل وفضاءاته ، مؤسسة مقاربات للصناعات الثقافية والنشر ، ط 2 ، 2017 ، ص : 76.

[12] – رفيق  البوحسيني : الإبانة في اللغة، من الإعراب إلى المعنى ، منشورات شعبة اللغات والأدب والتواصل، الكلية متعددة  التخصصاتتازة، 2015 ، ص : 14.

[13] — Joseph Devito : les fondements  de la communication humaine, adaptation de Robert trembalay Gaeton Morin, édition 1993, p : 5.

[14] – طلعت منصور : سيكلوجيا الاتصال ، مجلة عالم الفكر  ، المجلد 11 ، ع : 2 يوليوز ، غشت ، شتنبر 1980، الكويت ، ص : 105.

[15] –  Jean piaget :  psychologie et éduction , pp : 17 -127.

عن عبد العزيز الطوالي

شاهد أيضاً

“النقل الديداكتيكي في التجربة الصفية مفتاح النجاح”يوسف اسونا ــ المغرب

يمكن الجزم أن العالم المعاصر منذ مطلع القرن العشرين ،يعيش تحولات جذرية في جميع المجالات كمجال العلوم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التخطي إلى شريط الأدوات