علي أخشاب : المشهدية روح الهايكو ونبضه

ضمن مواد العدد الورقي الأول لمجلة عبور

حاوره أحمد الشيخاوي

ــــ قال أن الهايكو وإن حقق انتشارا كبيرا واكتساحا للمشهد الإبداعي ، فإنه لن يهيمن على الأجناس الأخرى أو يلغيها ،ولكنه يعتبر مكملا لها ، وقيمة تضاف إليها…

وقد قرّرنا إجراء هذه السلسلة من الحوارات التي نروم من خلالها تقريب المتلقي ، من ثلة من طاقات ومواهب المنطقة ، على تنوع توجهاتها الإبداعية ، وتعدد انشغالاتها ، يسعدنا استضافة الهايكيست الجميل والمبدع علي أخشاب ، الذي يكتب في ظل وصمت ، مطورا إمكاناته ومستثمرا الفضاء الافتراضي الثري بأسمائه ،من أجل صقل تجربته وشحذها أكثر ، عبر الاحتكاك بكوكبة من المبدعين سواء من داخل المغرب أو خارجه .

من هو علي أخشاب؟

علي اخشاب من مواليد 1970 بجماعة أولاد علي، إقليم بولمان جنوبي مدينة فاس، حاصل على شهادة الباكالوريا سنة 1992 بمدينة أوطاط الحاج، ودبلوم مركز تكوين المعلمين والمعلمات سنة 1994 بميسور، أشتغل حاليا أستاذا للتعليم الابتدائي.

لماذا كتابة الهايكو بالذات؟

قبل الهايكو كانت لي محاولات في الشعر الحر والقصة القصيرة جدا والخاطرة، إلى أن اكتشفت بالصدفة على صفحة الصديق الشاعر والزجال عبد العالي الوالي، ـ الذي لم أكن أعرفه حينها ـ حيث تقاسم أحد الأصدقاء المشتركين بيننا منشورا له يتحدث عن هذا الجنس الأدبي الوافد على الثقافة العربية من اليابان، كان ذلك في منتصف 2018، استهوتني هذه النصوص القصيرة، وسرعان ما انضممت لعدة أندية على الفايسبوك تهتم بهذا الجنس الأدبي الجديد، أذكر منها: نبض الهايكو، نادي الهايكو العربي، نادي الهايكو الحر، هايكو مصر، هايكو المغرب الكبير وهايكو المغرب، بالإضافة إلى أندية أخرى في تونس ولبنان، في هذه الأندية تعرفت على العديد من كتاب الهايكو من مختلف البلدان العربية، واحتككت بهم وقرأت لهم كما شاركتهم في عدة كتب إلكترونية أنتجتها هذه الأندية.

يظل هذا الجنس التعبيري الوافد مُدانا ، ما دام يراوح بين التقليد والتأسيس ، رؤيتكم لمثل هذه الأحكام النقدية ؟

انقسم المهتمون بالهايكو إلى تيارين، الأول يرى ان الهايكو يجب ان يبقى داخل الإطار الذي أطره به أصحابه اليابانيون إذ يرفضون خروج النص عن خصائصه الكلاسيكية، والثاني ذو نزعة تجديدية يرى أنه من الضروري إضافة أشياء تتميز بها اللغة العربية مع الاحتفاظ بالمشهدية التي هي أساس الهايكو وروحه.

بالنسبة لي لا أرى مانعا في تطوير الهايكو لجعله متناغما مع خصوصيات الثقافة العربية، فالقارئ العربي يتميز بذائقة مدربة على أنماط أخرى زاخرة بالمجاز الصريح، ولا تخلو من الذاتية والخيال ممما يجعله لا يولي اهتماما لنصوص الهايكو الكلاسيكية ذات الإطار التقليدي الجامد.

هل استطاعت الأسماء والتجارب الرائدة تكييف هذا النوع ذي الجينات والأصول اليابانية؟

الهايكو لم يعد يابانيا، فبمجرد انتشاره في كل الثقافات العالمية أصبح ملكا عالميا، وعلى الصعيد العربي هناك أقلام تعمل على تدجين هذا النوع ووضعه في قوالب عربيةمحضة، في المغرب تم السنة الماضية تأسيس جمعية هايكو مروكو من طرف مجموعة من الرواد على رأسهم سامح درويش، الذي مثل العالم العربي رفقة عراقي أظنه محمد عضيمة في ملتقى عالمي للهايكو باليابان حيث استطاع سامح درويش الحصول على توصية بتنظيم الدورة الموالية لهذا الملتقى بالمغرب خلال سنة 2021، وهذا دليل قاطع على أن الهايكو في المغرب قطع أشواطا كبيرة تبشر له بمستقبل واعد، وهذا لا يعني أنه سيلغي الأشكال الأدبية الأخرى ولكنه سيكون لا محالة قيمة مضافة.

نعرف أن للهايكو نزعة صوفية وروحا فلسفية بالدرجة الأولى، هل استطاع مبدعوه المغاربة وغيرهم حمل خطاباته على أساليب مبتكرة تحوي أزمنتنا، وتكون بالتالي قادرة على استنطاق القضايا الكبيرة؟

في منشئه كان أغلب كتاب الهايكو و رواده من الرهبان البوديين، وكون الهايكو يحتفي بالطبيعة والفصول جعل الهايكست هناك يتحد بالطبيعة في ثنائية العاشق والمعشوق، يقول احد شيوخ الصوفية العرب: « حرامأن تتصل بالمحبوب ويبقى لك من العالمين مصحوب »

أما في المغرب وباقي البلاد العربية فبالرغم من انطلاق التجارب على السكة الأصلية للهايكو الكلاسيكي، إلا أن هناك نزعة ستجعله يزيغ عنها ـ لا محالة ـ لينصرف إلى مواضيع أخرى من المعيش اليومي، وإلى قضايا الشعوب المقهورة والمهمشة في أوطاننا وكذلك إلى القضايا الكبرى للأمة وعلى رأسها القضية الفلسطينية والتشتت الذي تعرفه هذه الأمة الجريحة.

أقلام في الهايكو أثرت في تجربتك؟

أول كتاب الهايكو الذين احتككت بهم كانوا العراقي علي القيسي والسوري حسام الدين قوادري والأستاذة ماني فرح المقيمة في المهجر بالسويد، قبل أن ينضاف لهم المغربيان محمد بن فارس وعبد الرحيم حامد الله من المغرب، هؤلاء أثروا في تجربتي كثيرا فهم لا يعرفون المجاملة في تقييم النصوص بنادي نبض الهايكو ولا يؤشرون إلا على تلك التي تحترم مقومات الهايكو، بعدها تعرفت على الرائع والمعلم الكبير الأردني محمود الرجبي، لن أنسى الشاعر المترجم السوري الذي افتقدناه مؤخرا والذي ترجم لي بعض النصوص إلى الإنجليزية، وكذلك الشاعر عباس محمد عمارة الذي نشر لي بعض النصوص في كتابه الضخم ” أنطلوجيا قصائد الهايكو العربي” والذي يضم بين دفتيه نصوص حوالي مئتين وأربعين هايكست عربي عن دار مومنت في المملكة المتحدة، لن أنسى كذلك شعراء مغاربة تأثرت بقراءتي لهم كعراب الهايكو المغربي سامح درويش و مصطفى قلوشي ومحمد بنحمو وعبد الحق موتشاوي ونور الدين ضرار..لن أنسى كذلك المحليين من طينة محمد إليلا وعبد العالي الوالي والعربي بوعتروس وزهرة احرارو وخديجة الزوين والصديق الجميل المختار بوزياني وآخرون لا يسمح الوقت بذكرهم جميعا.

مدى استغراق الهايكو لطفولة ومنبت علي أخشاب؟

طفولة الإنسان والبيئة التي نشأ فيها يتركان في نفسه انطباعات لا تفارقه مدى الحياة، وأنا لن أكون هنا حالة شاذة إذ عشت طفولتي في بيئة جبلية تزخر بعناصر طبيعية تشكل مادة خامة، تصلح زادا لالتقاطات رائعة لبناء مشهديات.

كلمة أخيرة

أخيرا أغتنم هذه الفرصة لأشكركم، سي أحمد الشيخاوي الأديب الناقد والشاعر الكبير وأسر لكم أنني أعتز بكم وأفرح كثيرا كلما طالعت مادة من إنتاجكم، وأحييكم على ما تبدلونه من مجهودات لمساعدة وتوجيه المبتدئين، أريد أيضا في هذا المقام أن أوجه رسالة لكتاب الهايكو المحليين و أدعوهم للعمل على تأسيس إطار قانوني يجمعهم من أجل تبادل التجارب والتعريف بهذا اللون وتحبيبه للشباب محليا.

عن أحمد الشيخاوي

شاهد أيضاً

“حوار مع الشاعر المصري عبد الناصر الجوهري”رانيا بخارى/السودان

ذا كان " الموروث  الذاتي " هو ما خلَّفه القدماء وتوارثته الأجيال، وإذا كانت اللغة ذات التكثيف هى العنصر المهم في تشكيل الأمة؛ إذَا لتحقق التماهي بين الهوية واللغة، و الشاعر الحقيقي هو من يمتلك ناصية اللغة وأنا أنحاز للدكتور" يحيى الرخاوي" فيما ذهب إليه أن اللغة هى إبداع الذات المتجدد كما أنها أيضا تجلِّي المعنى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التخطي إلى شريط الأدوات