“في أفق نقد عربي مستقلّ”أحمد الشيخاوي / المغرب

في هذه الورقة والتي أعتبرها مجرد اقتراح ، للنظر وبجدية في مستقبل وراهن النقد العربي ، وكمدخل لذلك ، وجب تبني الجهود الشخصية في هذا الباب ، وتأطيرها واستثمارها بشكل جيد ، عوض التكريس للنزوع الأكاديمي  والتمكين له ، خاصة وأنه في عمومه مدان ، وتحاصره جملة من الاتهامات .

لست أنكر فضل الانفتاح على الثقافة الغربية في إثراء التجارب العربية ،كون الذات العربية مطالبة دائما ، بالانفتاح والتلاقح الحضاري شريطة ألاّ تقع في فخ الاستنساخ والاجترار ، حيث أنه ،وعبر التاريخ ، لا توجد حضارة بنيت أو انطلقت من الصفر ، فكل حضارة جديدة إلاّ ويعتبر ما سبقها من إرث حضاري إنساني ، النواة البارزة للتأسيس.

هذه الذات ملزمة بالتعايش والتلاقح والتكامل والانفتاح على الآخر ، شريطة ألا يكون هذا الانفتاح أعمى ، يكرر المستورد ويستنسخ الهجين.

لقد بتنا إزاء استشكال حقيقي ، فمهما تقدم النقد العربي ، وابتكر وجدد ، بيد أنه يظل متهما باستنساخ واجترار النظريات الغربية ، لأنه وبدل أن يعانق اتجاهات الأخذ بحذر من هذه المدارس ، وعلى النحو الذي يتيح له بصم خصوصية وهوية هذا النقد ،راح يجدّف خلافا لما قد يتفق مع حقيقة مرة فجّرها القدامى ، تكمن في التحذير من الانزلاق والوقوع جملة واحدة في مغبة التقليد.

إن الانفتاح المعقلن ، كان دائما وسيظل ضرورة وجودية وتاريخية وإنسانية وثقافية ، تذوب لها الطبقيات والاضطهاد والقطبية والهيمنة وشتى الفوارق الجغرافية والعقدية والعرقية واللسانية.

من هنا ، أعتقد أنه حان وقت التأسيس لمرحلة جديدة ومغايرة في نقدر عربي مستقل له خصوصيته وهويته ، يراعي الأزمة العربية وينشغل بأسئلتها ، أكثر مما يتماهى مع النظريات الغربية ويخول لاستحواذها الطاغي.

هو مجرد رأي ، في ورقة مختصرة ، يروم تفجير أسئلة من شأنها أن ترسم لنا ملامح أفق نقد عربي يٌعنى بالهوية والخصوصية العربية ، ويكتب آليات نقدية من داخل هذه الهوية والخصوصية ، وحتّى مع الانفتاح على باقي النظريات العالمية ، ولكن بعيدا عن محاولات الاستنساخ والاجترار.

إن سؤال المنهج والمصطلح في الأدب عموما ، والشعر خصوصا ، يتكرر ويعاود الظهور بقوة وإلحاح ، وفي الارتباط الوثيق للشعر ، كفن أزلي ، رافق الإنسان منذ العصور القديمة ، يستفحل هذا السؤال ، مثلما تفرضه الصيرورة الإبداعية ، والتطور البشري والجغرافي ،وتبدل الرؤى وأساليب تعمير الأرض.

المناهج النقدية كما هو محدد لدى الدارسين والمهتمين بهذا الشأن ، يمكن تقسيمها إلى سياقية تبحث خارج المادة أو النص ، أي تراعي الخلفيات التاريخية والنفسية و الاجتماعية ، إلخ ، والنصية التي هي بخلاف ذلك تعتني بماهية النص وجوهره ، ومن هنا كان بروز أو ميلاد البنيوية والتفكيكية وانتهاء نظرية التلقي التي يعتبر ياوس أحد رموزها وإن كان يعاب على هذا المنهج كونه أقرب إلى الانطباعية .

وفي الحقيقة لكل منهج ثغراته ، والمهم أن يظل النص في لبوس قدسيته ، وألاّ يُنتهك بسلطة الأكاديمي وصرامته ، كما يفترض ألاّ يقوّل ما ليس فيه ، أو يعطى أكثر من حجمه ، لأن ذلك يضعنا ، إزاء إشكالية أخرى تزيد من أزمة الأدب الافتراضي الذي ترخي بضلاله وسائل التواصل الاجتماعي، لأنها وبالقدر الذي  حررت المبدع من قيود واختناقات شتّى ، فتحت الباب على مصراعيه للمتطفلين على الإبداع ، بحيث أضحى الشعر على نحو خاص في متناول من هب ودب  “كتابة ونقدا”.

غير أن ما يعنينا هنا ، في هذا السمر الثقافي ، هو فتح أفق لآليات جديدة قد تؤسس لمحاورة النصوص الشعرية واستنطاقها ، بعيدا عن غطرسة وثقل المدارس الأجنبية في ما تمليه من نظريات ، كثيرا ما يكون هناك تعسف ،من حيث إسقاطها على ما تجود به لغة الضاد واختلاف الواقع العربي وحيثياته على ما سواه من باقي الثقافات ، ونادر ما يحصل ذلكم التلاقح أو التقاطع الذي يثمره المشترك الإنساني.

فتذوب بالتالي بصمة مثل تلك النظريات المستوردة والدخيلة.

من هنا وجب طرح هذا السؤال العريض حول مناهج نقد الشعر ، بدرجة أولى :أما آن وقت رسم أو بصم خصوصية للنقد العربي ، والقطع مع طور التقليد والتقيد بالمنهج الغربي ، خاصة وأن وسائل التواصل الاجتماعي استخدمت من خلال أقل ما في أقلها ،كما يقال ، لإبراز أصوات تستحق ، في الممارستين الشعرية والنقدية ، أسماء جنى عليها الإقصاء والتهميش وكتابة الظل ونفعيات دور النشر العربية ، طويلا ؟

شخصيا ، أرى سؤالا من هذا الطراز ، أولى بالتفجير في هذا الراهن الذي راكم العديد من الأوبئة المجتمعية والاقتصادية والسياسية والعقدية حتّى. الأدب رسالة إنسانية سامية ، والمبدع متى راعى الهوية الإنسانية المشتركة وذاد عن رهاناتها ، استطاع أن يُسمع عالميا ، وأن يتجاوزن بصوته الحدود التي تمليها الشخصنات والمحليات والقومجيات وسائر ما ليس يرقى إلى مستوى الحس الإنساني ، وما ليس يلج في تشكيل هوية وجودية قادرة على منح الكائن والعالم عافيته وتوازنه وخلاصه.

عن أحمد الشيخاوي

شاهد أيضاً

أندلسيّ

أحمد الشيخاوي| المغرب لا تكذبوها.. لولا الرّهط المُغرّب المتناثر ظلالا وقد أنّ الطين، قـُبلا بنكهة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التخطي إلى شريط الأدوات