تسللت بخطوات بطيئة جدا إلى غرفتي ، التي لا تتجاوز مساحتها ثلاثة أمتار مربعة ، الفوضى تزيد من نتانة المكان وقرفه ، ألقيت محفظتي إلى الركن الأيسر فوق سراويلي وسترتي ” الأنيقة ” _ على حد اعتقاد أصدقائي _ فحصت المكان بنظرة الفاحص الواصف ، أشعلت سيجارة ، شغلت موسيقى الجيلالي التيارتي ، وانزويت إلى لحافي الملتصق بأقصى الركن ، تهت بعقلي بعيدا إلى حين استفقت على ضحكات رفاقي بالسكن ، هرج ومرج أحيانا يتمازحون وأخرى يلفون مزحاتهم برسائل مشفرة ، كعادتي لم أكن أجد مانعا في أن أثير جدالا مرحا مع أحدهم حتى أنني كنت أبالغ في كوني شخص لبق لأبدوا بقدر ما ككائن اجتماعي لطيف …
أجل لا أخفي أن هذا صدق مطلق مني ولا غاية منه سوى أن أنفتح على عوالم الأخرين لعلني أبهج بما قد يصدر منهم من ردود لطيفة ، لكن الواقع أن هذا تلاشى اليوم / هذا المساء كأن شللا أصاب لساني وبدوت غير مقبول الهيئة وأنا أنظر إليهم دون أن أشتم أحدهم شتيمة لطيفة ، حتى أن أحدهم كان ينظر إلي بنظرات خاطفة كأن حال لسانه يقول : كم تبدوا لي مقززا بصمتك هذا يا غريب الأطوار!
حقا لم يكن الأمر يشكل فرقا بالنسبة لي ،ففي كل الأحوال سنتبادل الشتائم وستكون إحداها حقيقية تلبس رداء النكتة ؛ فلا بأس أن أرتاح من أصواتهم المزعجة اليوم على الأقل.
وقفت بصعوبة بالغة لأتوجه إلى الحمام ، بدى المكان غريبا بل أكثر من ذلك ، هو غير مألوف ،تصاميمه جديدة ، لبيت نداء الطبيعة ودفلت من جديد إلى غرفتي ، بدأت أمحص النظر في سقف غرفتي : لا مستحيل أن أنسى شكل غرفتي التي أكتريها منذ ثلاثة أشهر ، دققت بالسترة .. اللعنة لما تحول لون سترتي الرمادي إلى أسود ! حاولت أن أصرخ ظنا مني أنني أفقد قواي العقلية حتى إلتفت إلى الكتب الموضوعة على جانب اللحاف ، فتحت كتابا ووجدت اسما غير اسمي في صفحته الأولى ، حينها فقط أيقنت أنني شارد وتهت عن غرفتي وأن ما يقع معي مجرد تشابه مقرف ، خرجت راكضا كأحمق والكل يراقبني وأنا أقفز عبر الدرج.
