ذاكرة درعة

وراء كل تجربة ذاتية تختفي ظلال من المآسي والأحزان، يبلورها الشاعر ويصوغها، وقد اكتملت في دواخله، لتأتي محملة بأحاسيس وجدانية وشعورية قل نظيرها، فتصبح رؤى فياضة تغذي قريحة الشعر، وتسمو لتبلغ مراتب الإبداع المنشودة والمأمولة، غير مبالية بأية قيود أو حواجز تعترضها، تلك تجارب شعرية رائدة ورؤى منقطعة النظير، حافلة بكل مظاهر التجديد والخروج عن المألوف، لتتخذ لها اللغة وسيلة باعتبارها أقنعة وظلالا تختفي فيها انتكاسات النفس وعمق بواطنها النفسية واللاشعورية.     تأتي المجموعة الشعرية” أنغام  وادي درعة”، للشاعر المغربي لحسن أيت بها، لتثبت ما قلناه آنفا، فالذات الشاعرة فيها ترفض الواقع وتسمو عليه بل وتتخذ من ذاكرة المكان الدرعي مؤنسها الوحيد، غير أنها مزيج بين عبق الصحراء و أحزان الذات لتصنع قالبا شعريا متميزا وأصيلا.  

   أنغام درعة” هي تجربة جديدة للشاعر بعد مرثيات لواعجه المبثوثة والمسترسلة قمرا يفيض بنوره وأحاسيسه؛  جاءت التجربة الجديدة متفردة، مكتملة النضج، واشية بجمال لغتها الخلاقة والإبداعية والفنية ، مهما توارت خلف اللغة والرمزية،       جاءت “أنغام درعة” ، وقد ألقت بأفيائها  ورؤاها عميقة الدلالة، جيدة المعنى، أخاذة ورشيقة بجمال عباراتها الشعرية. ذات نفس شعوري موسيقى متنوعة الكلمات لتغدو منسجمة ومتآلفة تلقي بأطيافها على نفس القصيدة، مكتنزة بمعان ودلالات شعرية دافئة، سخية ، تجمع بين خواء نفسيته ومراثيه وذاكرته. وأحاسيسه الفياضة.    أنظر إليه مثلا وهو يقول:    هناك على ضفاف النهر  عرائس وادي درعة ترقص الريح في تلك الربوع الساحة المرعبة أمطارا تهطل تبلل الفسحة الريح تقصف المشاعر لتغني ترسم الضحى مشارف الليل  وحشة الظهيرة” ص: 7   تسترجع الأبيات حنين عبق درعة الفياض، والرياح تراقص أشجاره ومياه بحيرته الصافية، فتحضر صور ومشاهد في خيالات الشاعر تحاكي كل معاني الشوق، وحشة وحنينا وذكرى، ليحضر المكان بقوة وكثافة وكأن الشاعر يحمله معه في سفره، فتراه يلهج به ليلا ونهارا، في مشارف الليل ووحشة الظهيرة، يحمله معه ذاكرة و إحساسا فيتمثله صورا و أشعارا.  وفي ذات المكان ، تبحر الذات مسافرة عطشى  حاملة معها عبق المكان، تشتاق للقاء جديد .تحس بالخواء والعطش يقول:    إلى سبتة أشد الرحال من بعيد يقارعني الخواء في صباح الغد يسائل هل من جديد؟   تتجاذب بنية القصيدة نغمة التكرار التي تؤدي وظيفة تأكيدية، إذ نجد الكلمات التالية: أرض، الله، خشوع، بلادي، زاكورة. فتمنح القصيدة موسيقاها الخاصة، أضحت غنائية تتراقص كلماتها كاحتفالية بالبلدة زاكورة؛ انظر إليه وهو يقول:  أحييك يا بلادي زاكورة أرض الله وعلى مهدها عرفت الله سافرت حينا وحينا 
وعلى أرجائها
عرفت الأمان.  ص: 10.
هي تجربة صوفية شاردة تتأمل في الذات تحتفل بالحزن في صمت وخشوع، تردد صلوات الحب في الكون والحياة؛ والحلم البعيد، والذكرى الميتة، والأسئلة التائهة، يقول:

ياسيدي بشر
هلا دللتني على الطريق
طريق العارفين
من درعة
أو العراق الأخير  ، ص: 49

المراجع:
أنغام وادي درعة، لحسن أيت بها، صفحات؛ 7- 10- 49

بقلم الحسين أيت بها

عن أحمد الشيخاوي

شاهد أيضاً

آدم و حواء     

منى فتحي حامد| مصر العلاقة الصادقة بوابة آدم وحواء إلى النجومية والإبداع بعيدا عن الغيرة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التخطي إلى شريط الأدوات